التكهن بسير عمليّة إتلاف الحشيشة في البقاع صعب هذا العام. الوضع الأمني مضطرب. المزارعون مصرّون على المواجهة، والقوى الأمنية «عازمة» على الإتلاف. وفي الوقت الذي تواصل فيه الأجهزة الأمنية استعداداتها، من «تحديد» عناصر في قوى الأمن الداخلي لعملية الإتلاف، وتتواصل مع أصحاب الجرارات الزراعية، بالتنسيق مع قيادة الجيش اللبناني على المؤازرة للعملية، ثمة إصرار من مزارعي الحشيشة على «الدفاع عن رزقهم». المواجهة هي «الخرطوشة الأخيرة»، بعدما أقفلت الدولة في وجههم سبل العيش من خلال «تخليها عن معالجة المشاكل الزراعية ودعم الزراعات التقليدية، والتعويض عن أية خسائر ناتجة من الطبيعة أو أية انتكاسات زراعية، وفي ظل الأزمة السورية وتأثيرها الكبير على معيشة أبناء المنطقة».
مزارعو الحشيشة في البقاع، على الرغم الاستعدادات الأمنية، يستبشرون خيراً بأن الموسم «رح يمرق مثل مني شايفك وشايفني»، كما يقول أبو علي، وهو يتفقد ري حقل الحشيشة خاصته في أحد سهول المنطقة، وقد تجاوز ارتفاع ساقها سبعين سنتيمتراً. وبينما يفرك بيده الورقة الخضراء ويشمّ رائحتها القوية، يؤكد الرجل الخمسيني أنه يستند في رأيه إلى الوضع الأمني. «الفلتان بالبلد كلها، وطالما ما عم يسترجوا يحكوا مع حدا، شو رح توقف علينا؟ شو نحنا مكسر عصا؟»، مضيفاً: «خليهم يحسّوا فينا شوي». لا يخفي أبو علي أن عدداً كبيراً من المزارعين «رشوا أراضيهم مهما كانت صغيرة بالقنبز (بذر الحشيشة)، إيماناً منهم بأن الموسم سيمرّ»، مشيراً إلى أن مساحات واسعة «ع مد عينك والنظر زرعت في بلاد بعلبك ـــ الهرمل».
من جهته، يشير حنا، أحد أبناء قرى غرب بعلبك، إلى أن المسؤولية «تقع على عاتق الدولة اللبنانية وبعض أجهزتها الأمنية». يتهم الأخيرة بالإيحاء إلى المزارعين أن «أحداً لن يقترب من الحشيشة»، ثم تتقصى بنفسها المساحات المرزوعة «وتصوّرها بالطائرات وترسلها إلى مؤسسات دولية بغية تحصيل تمويل من أجل إتلافها». وطالب حنا القيادات السياسية والحزبية بالتدخل لمنع عملية الإتلاف لهذا العام، رافضاً أن يكون «قرار إتلاف الحشيشة صادراً عن القوى الأمنية وحدها».
لا يوفر المزارعون أصحاب الجرارات الزراعية من التهديدات. فقد أشار البيان الخطي الذي وزع مساء الخميس الفائت في عدد من قرى غرب بعلبك، إلى أنهم «سيتعاملون مع أصحاب الجرارات الزراعية والعمال المأجورين كما الأعداء؛ لأنهم يتآمرون على أبناء منطقتهم ببضعة دراهم». وجاء في البيان الذي وقّع باسم «كبار السن العقلاء في بعلبك ـــ الهرمل»، الذين توجهوا فيه إلى الدولة «الخارجة عن القانون، التي تنظر بعين واحدة وتكيل بمكيالين»، والتي أفرجت عن عدد من الأشخاص الذين «قتلوا أبناءنا في الجيش اللبناني، وكبير العملاء ومشاريع الفتنة الذين ما زالوا خارج القضبان».
في هذا الإطار، لفت مسؤول أمني إلى أن القوى الأمنية «تعاملت مع البيان بجدية»، واتخذت إجراءات احترازية كافية، وسيُطبَّق القانون الذي «إن لم يطبق فسيمسّ بكرامة المؤسسة الأمنية من جهة، وبكرامة عشائر منطقة بعلبك ـــ الهرمل من جهة ثانية»، مشدداً على أن البيان من الممكن أن يكون عبارة عن «مشروع فتنة» بين المنطقة والقوى الأمنية، وخصوصاً أنه «رمي من سيارة في ثلاث قرى فقط في غرب بعلبك، من دون قرى بعلبك ـــ الهرمل»، يقول.
أما في ما يخص عملية إتلاف حقول الحشيشة، فأكد أن العملية «قائمة»، وستبدأ صباح الاثنين المقبل، موضحاً أن «الإجراءات على اختلافها اتخذت جميعها بالتنسيق مع الجيش اللبناني الذي أكد مؤازرته في العملية»، وقد تسلم «خرائط المواقع والمحاور التي سيجري الإتلاف فيها بدءاً من اليوم الأول». وكشف المسؤول الأمني أن عملية الإتلاف لن تنطلق بمحور واحد كما حصل في الأعوام الماضية، بل «ستنطلق في أكثر من خمسة محاور».
عملياً، تفوق المساحات المزروعة بالقنب الهندي في بعلبك ـــ الهرمل 150 ألف دونم، وفق تقديرات غير رسمية، وبحسب معلومات أمنية، جرى التواصل مع عدد أكبر من أصحاب الجرارات الزراعية الذين شاركوا العام الماضي (65 جراراً)، وقد يفوق عددها هذا العام 80 جراراً، فيما انخفض عدد العناصر الأمنيين عن العام الماضي من 800 إلى نحو 650 عنصراً أمنياً لهذا العام.