نجح وادي قاديشا في امتحان منظمة اليونسكو. لن يُرفع عن لائحة التراث العالمي. هذا ما أكده تقرير خبراء المنظمة الذين زاروا الوادي قبل أشهر ورفعوا كتبهم للمنظمة لتقويم وضع الوادي حالياً. لم تعرف تفاصيل التقرير بعد، لكنّ المطلعين على الملف يؤكدون خلوّه من المطالبة برفع الموقع عن لائحة التراث العالمي، بل بالعمل الجدي للمحافظة على هويته التاريخية والطبيعية، كما رفض التقرير البرنامج الإنمائي، الذي كانت دار الهندسة قد عرضته على المؤتمنين على وادي قاديشا، وعلى رأسهم البطريركية المارونية.
فقد كانت الأخيرة قد طرحت خلال اجتماع عقد قبل أشهر مسألة إنماء الوادي، وتقدمت دار الهندسة بدراسة تفصيلية بشأن سبل تطوير السياحة فيه لاستقطاب عدد كبير من السيّاح. المشروع الذي قدّم يقترح إنشاء تلفريك يقطع الوادي من طرفيه إلى الواجهة، وأضيفت إليه جسور من الألياف الطبيعية، التي تصل طرفي الوادي بعضهما ببعض لكي يستطيع الزائر رؤية جماله من فوق. ولحظ المشروع أيضاً نقاط مراقبة للطبيعة والطيور، محاطة بالمطاعم. ولإنجاز هذه المقترحات، يجب شق الطرقات وتعبيدها بالباطون داخل الوادي، ما يتيح دخول السياح إليه بأعداد كبيرة. وتبقى المفاجأة الكبرى في المشروع، وهي اقتراح بناء قرية نموذجية تضمّ 200 وحدة سكنية، تحت شعار إعادة أبناء الوادي اليه.
هذه المقترحات تناقض تماماً مشروع تصنيف الوادي على لائحة التراث العالمي. ويقول مدير مجموعة الحفاظ على قاديشا رياض كيروز «إن المشروع الإنمائي المقترح رائع الجمال لأي منطقة أخرى غير قاديشا. فهذا الوادي يحمل من المقوّمات ما يكفي ليكون هو قوة إنماء كل القرى المحيطة به. وكل ما يحتاج اليه هو حمايته وصيانة معالمه للمحافظة على هويته وتمريرها للأجيال القادمة. وهذا ما ارتكز عليه لتصنيفه على لائحة التراث العالمي، وهو واضح جداً في المخطط التوجيهي الموثّق في وزارة الثقافة واليونسكو»، لكن لا أحد يعمل بهذا المخطط، فالواقع على الأرض مخالف. مجموعة حماية قاديشا لا تزال غير فاعلة بسبب انسحاب البلديات منها، والبطريركية المارونية تبقى على الحياد، ومخفر الدرك في الوادي (الذي عُدّ افتتاحه في السنة الماضية إنجازاً) لا يجلس فيه إلا عنصر واحد. وحدها بلديات قضاء بشري تؤمن رفع النفايات من الوادي وتدفع رواتب الحراس، الذين لا يتمتعون إلا بسلطة معنوية.
يؤكد كيروز أن «المخالفات بالجملة والتفصيل. فالمخطط التوجيهي يحدّد عدد زوار الوادي بـ750 شخصاً، فيما يتعدى العدد الألفين نهار الاحد. ومع بدء موسم السياحة والحج، عاد خطر الحرائق، بسبب النيران التي يشعلها المتنزهون قرب النهر، وخطر التلوث بسبب النفايات التي يتركها زوّار الوادي على أرضه، والضرر الذي يهدّد الأشجار بسبب دخول السيارات إليه. كلّ ما توصلنا اليه هو منع دخول الـATV».
لا تتوقف المشاكل عند هذا الحد، فالوادي عرف خلال الأشهر الماضية مجازر في قطع الأشجار. ففي قرية الحدد قُطعت 400 شجرة سنديان، وذلك بعد حصول المواطنين على إذن من وزارة الزراعة لتشحيل 8 أشجار! ويقول كيروز إن «الرخص تعطى، وبما أنه ليس هناك من يراقب أو يتابع، تتحول الأشجار الثماني إلى مئات. هكذا، في فصل الشتاء، حينما تسبّبت أشجار الدلب على الطريق بقطع السلك الكهربائي، تحرّك عمال الشركة، وقطعوا 40 شجرة دلب، لكي لا تقطع التيار الكهربائي!». وكان دير ما انطانيوس قزحيا، قد تقدم الى وزارة الزراعة بطلب تفريد وتفحيم حرج في الأراضي التابعة له، لكن، لحسن الحظ رفضت وزارة الزراعة الطلب، على أمل أن يكون قرارها بمنع المساس بأشجار الوادي نهائياً. ويضيف إن أحد البنود الأساسية للمخطط التوجيهي «تطالب بعدم السماح بالبناء على أطراف الوادي، لكي يبقى الزائر السائر في أرجائه داخل كنفه، وبعيداً عن ضوضاء الحياة الصاخبة والمقاهي ذات الموسيقى الطنانة وأبنية الباطون، لكن، هذا ما لا يحصل». ففي شتاء كل سنة ترتفع أبنية جديدة على أطرافه، وحينما يحاول المسؤولون رفع القضية يأتي الجواب بأن المحافظة على الوادي تجري على حساب أبنائه! ولكي لا يتوقف الإنماء المناطقي الاقتصادي بسبب تصنيف الوادي، عملت بلدية إهدن منذ قرابة السنتين على اعتماد المباني الحديدية، التي يمكن تفكيكها لإعطاء الرخص للمقاهي على طرف الوادي. فنمت المنطقة اقتصادياً وتضرّرت بيئياً وثقافياً. وفي ظل هذا الوضع القائم، تبقى الجهود المبذولة للمحافظة على الوادي ضئيلة جداً، ويبقى «الفلتان المضبوط نسبياً» سيّد الأمر، الى أن يفلت زمام الأمور تماماً؟