عقب انتهاء حرب تموز بشهرين، أقدم رئيس دائرة التجهيز والتموين في وزارة الصحة حسن ح. على سرقة أدوية من مستودعات الوزارة المخصّصة للمساعدات التي كانت تتلقّاها إبان العدوان الاسرائيلي. وللتعمية على فعلته، زوّر أذونات تسلم الأدوية في المستودعات، بالاشتراك مع كل من عيسى ف. وسمير ك. فيما أقدم وسيم ح. على تصريف الأدوية المختلسة.
وعيسى موظف سابق في وزارة الصحة، عمل بعد تقاعده في تجارة المستلزمات الطبية. وبحكم علاقته بحسن، تمكن من أن يصبح أحد مزوّدي الوزارة ببعض المستلزمات كالقطن والشاش والإبر وأفلام الأشعة على أساس الالتزام بالفاتورة، لقاء عمولة لحسن تراوح بين خمسة وستة في المئة. وتطورت علاقة العمل بين الرجلين إثر العدوان الإسرائيلي على لبنان، وما أعقبه من تدمير وتهجير وتدفق للمساعدات الطبية. وفي تلك الفترة، أُنيطت بالمدعى عليه حسن ح. صلاحية واسعة تتمثل في الإشراف على استلام المساعدات العينية وتوزيعها، عبر الهيئة العليا للإغاثة، على المستشفيات والمؤسسات والمحتاجين.
وسعى حسن، في سياق اختياره للمساعدين، إلى تعيين عيسى ف. مندوباً للوزارة لدى الهيئة العليا للإغاثة. ونتيجة الوجود الدائم للأخير في مستودعات الوزارة في الكرنتينا، أصبح له دور محوري في استلام المساعدات وفرزها وتوزيعها ضمن المستودعات، بإشراف حسن ح. الذي كان يقصد هذه المستودعات على نحو شبه يومي، ثم يعود إلى عمله في وظيفته. وقد تنبّه الرجلان في المراحل الأولى لاستلام المساعدات إلى الفوضى السائدة، فراودتهما فكرة التصرف ببعض الكميات من بعض الأصناف بعدم إدخالها في قيود عمليات التسليم، وأحياناً عبر زيادة الكميات في أذونات التسليم وإخراج الفائض من هذه الكميات.
سارت الخطة على ما يرام، إلا أن مسألة تسويق الكميات المختلسة مثّلت لهما عائقاً. عرض عيسى ف. الأمر على صديقه المدعى عليه سمير ك. الذي يعمل في تسويق الأدوية والمستلزمات الطبية كمندوب مبيعات، فأبدى الأخير استعداده لتسويق الكميات المختلسة.
اكتملت عناصر الخطة، فتم فرز كميات من صناديق دواء zokor على حدة، من دون إدراجها في لوائح الجرد التي يتم استلامها في المستودعات. وتولى المدعى عليه عيسى ف. نقلها بسيارته الخاصة إلى منزل سمير ك. حيث سلّمه عينة منها بغية تصريفها لقاء عمولة اتفق عليها الطرفان. وبعدما أفهمه أن الآخرين بحاجة إلى المال، بغية دفع أتعاب العمال، أكّد عليه ضرورة تصريفها مقابل المال، لا استبدالها بأنواع أخرى من الأدوية. قصد سمير ك. المدعى عليه وسيم ح. وباعه الكمية المختلسة وسلّم ثمنها للمدعى عليه عيسى ف. الذي تقاسم الثمن مع حسن ح. بعد حسم عمولة سمير ك. وقد تكررت هذه العمليات مراراً، وطاولت أصنافاً أخرى من الأدوية.
في غضون ذلك، توافرت معلومات لمفرزة استقصاء بيروت عن قيام بعض الأشخاص بعرض كميات من الأدوية المقدمة كـ «مساعدات للدولة» للبيع في الأسواق المحلية، وعلى بعض الصيدليات بأسعار دون أسعارها الفعلية. وعلى الأثر، تمكنت القوى الأمنية من توقيف المدعى عليه سمير ك. أثناء قيامه ببيع كمية من أدوية zokor إلى صاحب صيدلية ح. المدعى عليه وسيم ح. وقد ضُبطت بحوزته كمية من أدوية مختلفة أخرى.
خلال التحقيقات، أفاد الموقوف سمير ك. بأنه استلم الكمية من المدعى عليه عيسى، مشيراً إلى أنه كان ينوي بيعها بمبلغ 6 آلاف دولار أميركي. وأقر الموقوف بأن الأدوية سرقت من المساعدات المقدمة إلى لبنان لإغاثة نازحي عدوان تموز، لافتاً إلى أنه كان بصدد البحث عن زبائن لتصريفها، كما كشف أنه استلم من مستودع وزارة الصحة في محلة الكرنتينا، بناءً على طلب عيسى، ثلاثين صندوقاً من الفلاتر المخصصة لغسل الكلى، سعة كل منها اثنا عشر فلتراً.
وذكر أنه كان سيبيعها بسعر ثمانية دولارات للفلتر الواحد. في المقابل، أكد المدعى عليه عيسى تزويده سمير بكميات الأدوية المضبوطة، وهي من ضمن المساعدات العائدة إلى الدولة اللبنانية، بالاتفاق مع حسن ح. إلا أن الأخير نفى ما ورد على لسان عيسى، متذرّعاً بصلاحياته التي تخوّله التصرف من دون عيسى.
وقد قرر قاضي التحقيق في بيروت اعتبار فعل المدعى عليه حسن ح. من قبيل الجنايتين المنصوص عليهما في المادتين 352 و360 من قانون العقوبات، والظن به بالجنحة المنصوص عليها بموجب المادتين 359 و363 من القانون نفسه، كما تقرر اعتبار فعل المدعى عليه عيسى ف. من قبيل الجناية المنصوص عليها 352 /219/220 والمواد 360/219/220 من قانون العقوبات، والظن به بالجنح المنصوص عنها في المواد 360/219/220 و 363/219/220 من قانون العقوبات. كذلك قرر قاضي التحقيق اعتبار فعل المدعي عليه سمير ك. من قبيل الجناية المنصوص عليها في المادة 360//219/220 من قانون العقوبات، والظن به بالجنحة بموجب المواد 363/219/220 من قانون العقوبات.