الاستثناءات باتت «تستوطن» العدلية أكثر من أيّ زمن مضى. يوماً بعد آخر تتراجع «الأصالة» لصالح «الوكالة». اليوم أصبح القاضي أكرم بعاصيري رئيساً لمجلس القضاء الأعلى، بالوكالة، بصفته أعلى الأعضاء درجة، إثر إحالة القاضي سعيد ميرزا على التقاعد. الأخير لم يكن أصيلاً أيضاً في هذا المنصب، بل وكيلاً منذ نحو سنتين، إثر إحالة القاضي غالب غانم على التقاعد. هكذا، يبدو أن الحكومة اعتادت «النأي بالنفس» حتى في التعيينات، لتظهر السلطة السياسية، مرة أخرى، أن الخلافات بين رموزها كفيلة بضرب المؤسسات والإدارات. الحديث لا يدور هنا عن تعيين مدير عام أو موظف عادي، بل عن رأس سلطة، ونائب عام فيها، هي بحسب الدستور «سلطة مستقلة تجاه السلطات الأخرى».
يذكر أن القاضي ميرزا كان يجمع بين صفة مدعٍ عام لدى محكمة التمييز، بالإصالة، إلى جانب رئاسة مجلس القضاء الأعلى بالوكالة. القاضي بعاصيري سيملأ اليوم فراغ رئاسة المجلس، أما في النيابة العامة التمييزية، فإن القاضي سمير حمود، بصفته أعلى القضاة درجة فيها، سيصبح المدّعي العام بالوكالة. علماً أن بعاصيري، ابن مدينة صيدا، يشغل حالياً منصب رئيس هيئة التفتيش القضائي. والسؤال الذي أثاره أمس عدد من القضاة والمتابعين، هو كيف لبعاصيري أن يبقى رئيساً لهيئة التفتيش، ويكون، في الوقت نفسه، رئيساً لمجلس القضاء الأعلى بالوكالة؟ فالمجلس يبت عادة استئنافات القضايا الصادرة عن الهيئة، وبالتالي، يصبح لزاماً على الرئيس أن يتنحى في مثل هذه الحالات، وبالتالي ماذا تكون الفائدة من تكليفه بمنصب رئاسة مجلس القضاء؟
إلى ذلك، ثمة سابقة لم يشهدها القضاء قبلاً، تتمثل في اجتماع «مراكز القرار» في يد قضاة من المسلمين السنّة، ما يؤدي إلى «كسر التوازن الطائفي الذي قام عليه لبنان»، بحسب ما يشير قضاة ومتابعون، إذ إن القاضي بعاصيري (سنّي) يتربع على رأس مجلس القضاء، إلى جانب كونه رئيساً للتفتيش، فيما يحل القاضي سمير حمود (سني) على رأس النيابة العامة التمييزية، ويشغل القاضي حاتم ماضي (سني) رئاسة الهيئة العامة لمحاكم التمييز، إضافة إلى المدير العام لوزارة العدل القاضي عمر الناطور، وهو أيضاً مسلم سني. وبالنسبة الى العاملين في الحقل القضائي، فإن المواقع المذكورة، إضافة الى رئاسة معهد الدروس القضائية (شغله القاضي سامي منصور ــــ شيعي)، تمثل «مراكز العصب»، ومن يستلمها يكن فعلياً «الحاكم في العدلية». ويثير هذا الأمر قلقاً في أوساط عدد من القضاة من أبناء الطائفة المسيحية، الذين تبدو خسارتهم «الأفدح في هذه المرحلة من حياة القضاء»، وخصوصاً في ظل الاستمرار في شغور رئاسة مجلس القضاء الأعلى، التي تُعد عرفاً من حصة الموارنة. ومعلوم أن سبب استمرار الشغور هو الخلاف على من يشغل هذا المنصب بين رئيس الجمهورية ميشال سليمان والنائب العماد ميشال عون.
في ظل هذا الواقع، ليس لدى وزير العدل شكيب قرطباوي جديد ليقوله في هذا الموضوع، لكنه يتمنى «ألا ينسحب عدم الاتفاق على تعيين رئيس لمجلس القضاء الأعلى، على تعيين المدّعي العام لدى محكمة التمييز»، متمنياً «إنجاز التعيين في المنصبين قريباً، وعموماً لن أبقى ساكتاً عمّا يحصل».



مباراة الكتبة لن تلغى

جزم وزير العدل شكيب قرطباوي بأن مباراة اختيار الكتبة والمباشرين «لن تلغى وهذا وعد مني». يذكر أن نتائج المباراة التي شارك فيها 7500 متبارٍ، صدرت أخيراً وعلقت أسماء الناجحين على أبواب وزارة العدل. لكن، حتى الآن، لم يؤخذ الناجحون بعد لمباشرة أعمالهم، وذلك بسبب «عدم وجود توازن طائفي بين الناجحين». يذكر أن مباراتين سابقتين كانتا قد ألغيتا قبل هذه المباراة، رغم حاجة القضاء الماسة إلى موظفين، في ظل نقص في الملاك تصل نسبته إلى 80%، علماً أن الحكومة وافقت أخيراً على ملء الشواغر بنسبة 50% فقط. يُشار إلى أن أحداً لم يشك في نزاهة المباراة، التي شارك فيها تحضيراً ومراقبة وتصحيحاً جميع القضاة المتدرجين، وعددهم يزيد على 60، إضافة الى حوالى 100 قاض أصيل و300 موظف من وزارتي العدل والتربية.