يختلف مشهد الطريق الرئيسية من بلدة النبطية الفوقا باتجاه بلدتي زوطر الشرقية وزوطر الغربية، اليوم، عما كان عليه قبل عام 2000. فقبل تلك السنوات، كانت الطريق جرداء، وكما يقولون باللغة العامية «حفرة نفرة»، لكنها اليوم استحالت خضراء، وليس أي «نوع من الأخضر»، حيث تمتلئ الفراغات القاتلة على جانبي الطريق بأشجار الخروب، لتجعل من مدخل «الزوطرين» مميزاً في كل المواسم.
كان ذلك في عام 2000، عندما قررت بلدية النبطية الفوقا زراعة نحو 300 غرسة على العقارات التابعة لها على جانبي الطريق المتفرعة من البلدة نحو الزوطرين الشرقية والغربية. كان الهدف في حينها تزيين طريقٍ جرداء بلا جدوى. «تطور» الهدف، وبات الاقتراح على النحو الآتي: «زراعة أشجار دائمة الخضرة ومثمرة في آنٍ واحد». هكذا، استقرّ الرأي على شجرة الخروب، «الخضراء دائماً وذات الطعم اللذيذ»، بحسب الرئيس السابق لبلدية النبطية الفوقا أسد غندور. اتخذ القرار، وبدأت الزراعة على جانبي الطريق، وعلى طريق كانت مستحدثة في حينه نحو بلدة ميفدون. وبعد رعاية استمرت نحو ثلاث سنوات، أخذت الأغراس طريقها في النمو، «وغدت اليوم أشجاراً ضخمة توفّر الفيء والهواء النقي والمنظر الجميل، فضلاً عن استثمار ثمرها سنوياً»، بحسب غندور الذي يلفت إلى «أنّ البلدية بدأت منذ خمس سنوات تضمين موسم الثمر بمئة ألف ليرة لبنانية، ثم بخمسمئة ألف ليرة، واليوم يتجاوز المبلغ المليوني ليرة لبنانية».
وحدها، بلدية الدوير سبقت بلدية النبطية الفوقا بالاهتداء إلى زراعة أشجار الخروب للاستفادة من خضرتها وثمرها، فزرعتها بداية في مشاعات «عريض بيت الورد» البالغة 150 دونماً، بين الدوير وبصفور وشلبعل «وكانت كمية نصوب الخروب قليلة، مقارنة بأنواع الأشجار الأخرى التي زُرعت هناك»، يقول رئيس نادي الدوير الرياضي حسيب قانصو. «بعدها، نصبت البلدية ثلاثة دونمات بأشجار الخروب في محلة عرض شبيب وكذلك في شارع المنارة وفي منطقة تعرف بالوادي، حتى بلغت أشجار الخروب المغروسة في البلدة أكثر من 450 شجرة، إذا ما أضفنا إليها نحو 200 شجرة زُرعت في الشتاء الماضي في عريض بيت الورد أيضاً».
بعد النبطية والدوير، تلقت بلدية زوطر الشرقية، هذا العام، 240 غرسة خروب من اتحاد بلديات الشقيف، فزرعتها على الطريق المعروفة بطريق النهر (الليطاني). وسبق لها أن قامت مطلع عام 2000، بالتنسيق مع وزارة البيئة، بتشجير المشاعات البلدية وتلك التابعة لخزينة الدولة اللبنانية، الممتدة بين زوطر الشرقية وميفدون وصولاً إلى حدود نهر الليطاني، «غير أن العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006 لم يرحم هذه المساحات المغروسة، بعدما غرسها العدو بآلاف القنابل العنقودية، وصار مستحيلاً حتى على الطير، الدخول إليها، ولم نعد نتمكن من ريّها، فيبست كلها»، يقول رئيس بلدية زوطر الشرقية مصطفى محمد إسماعيل. ويلفت إلى أن «البلدية الأخيرة المنتخبة منذ عام 2010، قررت إعادة حملات التشجير للمشاعات وجوانب الطرقات، على أن تكون لأشجار الخروب حصة الأسد، مع الحاجة إلى سقايتها وتنظيفها وعنايتها، على مدى ثلاث سنوات، حتى تصبح وحدها قادرة على المقاومة والنمو لتغدو شجرة كبيرة». لهذا السبب، قررنا «أن نزرع الأشجار بالتدرج، وخصوصاً أن عملية الري مكلفة نوعاً ما بسبب نقل المياه من النهر أو النبع إلى الحقول، إذ تبلغ كلفة نقلة المياه نحو 25 ألف ليرة لبنانية».
من النبطية الفوقا نحو الزوطرين الشرقية والغربية، ثم باتجاه ميفدون وشوكين وبريقع، وبين الدوير وعبّا وجبشيت وعدشيت، ومعظم بلدات قضاء النبطية، يمكن رصد انتشار أشجار الخروب بوضوح. وهي الأشجار التي يجري تضمينها حالياً لمستثمرين من خارج المنطقة، إذ إن هذه الزارعة تحتاج إلى معاصر وطرق معينة في استخراج الدبس، ليست متوافرة في مختلف بلدات قضاء النبطية، نظراً إلى عدم الاهتمام السابق بهذا النوع من الزراعات. لكن ذلك لا ينفي «أننا نتوقع قيام معاصر لقرون الخروب خلال السنوات القليلة المقبلة، في منطقة النبطية، مع انتشار هذه الأشجار بكثافة، لتصبح الأشجار الثانية المثمرة والمنتجة بعد الزيتون»، يتابع قانصو.
أما الفائدة غير الظاهرة لأشجار الخروب، بحسب أسد غندور، فتكمن «في أن الشجرة تحجب عن الطائرات المعادية ما تحتها من مضادات أو منصات صواريخ؛ إذ تبين أن الزيوت المنتشرة على أوراق الخروب تشوش على رادارات الطائرات وتمنعها من القيام بمهماتها»!