بعدما ارتفعت الأصوات «الغربية» المعترضة على تدمير التراث في سوريا، تعهّد الجيش السوري الحر، من واشنطن، عدم المساس بالآثار والمتاحف والمحافظة على المواقع الأثرية. قرار سعى إليه «الحر» من أجل تبرئته من الانتقادات، وخصوصاً في الفترة الأخيرة، بعدما تعرّض متحف إدلب للسرقة مرتين، ووضعت منظمة الإنتربول قطع الفسيفساء المسروقة منه على لوائح القطع الأثرية المسروقة.
ويبقى التساؤل البسيط: هل يعمل «الحر» بهذا التعهد؟ أم أن الواقع العسكري على الأرض سيفرض نفسه ويغيّر المعطيات؟ فالمواقع الأثرية غالباً ما تكون مواقع استراتيجية في الحروب، ووضع اليد عليها يعني التمركز في مواقع جيو ــ استراتيجية مهمة. «هذا ما حصل مثلاً مع قلعة حلب»، كما يقول روبرت فيسك، مراسل جريدة الإندبندنت البريطانية في الشرق الأوسط منذ ثلاثين عاماً، والعائد من سفرة «استطلاعية» من سوريا استغرقت أسبوعين. فيسك الذي دخل سوريا وتجول في أرجاء دمشق ومعلولة وحلب بمرافقة الجيش السوري، أراد أن يكتب عن «وضع سوريا من وجهة نظر الطرف الآخر للحرب، أي السلطة، وكنت والمخرجة نيلوفر بازيرا الصحافيين الغربيين الوحيدين في الميدان». يبدأ سرد حكايته من «التجوال في حلب الذي كان خطراً جداً بسبب القناصين الذين يحتلون البيوت وسطوحها». يتحدث عن محاولة استيلاء هؤلاء على «القلعة التي تتوسط المدينة القديمة وتشرف عليها، لكن الجيش كان قد تمركز فيها منذ بدء القتال، وأقفل أبوابها عليه، وهذا ما دفع الجيش الحر إلى تفجير الباب الخارجي بعبوة تزن 300 كلغ من المتفجرات، ما سبب انهيار جزء من المدخل ومحو الكتابات الإسلامية هناك، وتدمير البوابة بشكل كامل. توقفت معركة القلعة عند هذا الحد، ولم يتقدم الجيش الحر إلى البوابة الثانية». هنا، بدأت حكاية فيسك مع استكشاف حال المواقع الأثرية التي كان وضع بعضها مزرياً، فيما بعضها الآخر يمكن ترميمه. ويقول فيسك بشيء من التفاؤل: «حينما كنت هناك، كانت الأضرار في البيوت القديمة خفيفة، ويمكن ترميمها. أما الجامع الأموي فلم يصب بأي أذى، لكن جامع شرف المملوكي العهد تضررت جدرانه الخارجية بفعل القصف، حيث كان أفراد من الجيش الحر يستخدمونه مركزاً لهم، وحينما دخلنا إلى قاعاته مع الجيش، شاهدنا آثارهم على سجاد الجامع». أما الأسواق والبيوت، فقد علقت على جدرانها «آثار الرصاص، ولكنني لم أشاهد أي تدمير كامل لمعلم تاريخي في الجزء الذي دخلت إليه، كما أكد لي أحد الضباط أن الأوامر التي وصلتهم كانت واضحة وطلبت منهم أن لا يقصفوا المباني القديمة في المدينة، لذا فهم يتفادون استعمال الأسلحة الثقيلة في الأحياء القديمة».
من القلعة إلى متحف حلب، توجه فيسك للتأكد من وضعه «الذي بدا لي سليماً، فليست هناك من آثار دمار أو قصف أو خلع، ولا تزال القطع المعروضة في الحديقة في مكانها». والملاحظات نفسها تنطبق أيضاً على متحف دمشق الذي «أوصدت أبوابه الخارجية كلها، التي حرست بالعسكر، فيما الآثار المنتشرة في الحديقة لا تزال على حالها». والحال نفسه في أحياء دمشق القديمة «التي دخلت أسواقها وكنائسها ومساجدها، ولم أر أي تغيير يذكر، ما عدا بعض الكتابات التي تساند النظام على الجدران».
وكان فيسك قد كتب سابقاً عن القذائف التي طاولت قرية معلولة التاريخية، أثناء زيارته لها. ويقول إن الطريق التي تصل دمشق بمعلولة «متخمة» بالحواجز، «فقد عبرنا 35 نقطة تفتيش للجيش». من جهتها، تشرح المخرجة بازيرا أن «سكان معلولة المسيحيين والمسلمين أعادوا ترميم ما دمره القصف، وقد أقفلوا اليوم المنطقة على أنفسهم، وتسلحوا وباتوا يقفون على مداخل منطقتهم ويفتشون السيارات الواصلة إليها ويدخلون من يعرفونه فقط». ربما وجدوا في الانطواء خلاصهم من الحرب الدامية.