تحت شعار «إرث الأجداد وتراث المدينة في خطر»، نظّم ناشطون معنيون بالدفاع عن إرث طرابلس العمراني لقاءً هو الثاني لهم في غضون أقلّ من شهرين. هذا التقارب بين اللقاءين كان مقصوداً للردّ على من يريد طمس التراث أو بيعه. فما دفع هؤلاء الشباب إلى التحرك هو تعرّض مبنى آل الخاجا التراثي في وسط طرابلس، حيث عمل مالكوه على إزالة واجهته.
لقاء المدافعين عن إرث المدينة العمراني جاء بدعوة من رئيس لجنة الآثار والتراث في بلدية طرابلس خالد تدمري ونادي آثار طرابلس وجمعية الحفاظ على تراث طرابلس في باريس. وقد لقيت الدعوة تلبية لافتة من الناشطين وممثلي هيئات المجتمع المدني، وخصوصاً الشباب، ما دفع إلى التعليق أن «حضوراً كهذا يطمئن إلى أن هناك من يهتم ويدافع عن المدينة كي لا تفقد هويتها التي يعكسها إرثها العمراني»، يقول تدمري. ويضيف أن الهدف من هذا النشاط هو المحافظة على التراث «بعدما فقدت عاصمة الشمال ثروتها الزراعية، ودورها الصناعي وموقعها التجاري، حيث لم يعد أمام أبنائها سوى الاهتمام بتراثها لتنشيط الحركة السياحية والثقافية فيها». وفي مداخلته الافتتاحية، أشار تدمري إلى أن «تساؤلات كثيرة تطرح علينا اليوم من البعض انطلاقاً من مبدأ الأولوية، فيسألوننا: هل الحفاظ على إرث طرابلس العمراني يعني تقديم الحجر على البشر في ظلّ ظروف أمنية ومعيشية صعبة؟ والواقع يقول إن البشر يهتمون بمدينتهم التراثية ويطالبون بالمحافظة عليها بآثارها». وتطرق تدمري إلى ظاهرة سرقة الآثار «التي تعانيها طرابلس حالياً، حيث تباع الآثار المسروقة بأبخس الأثمان، وأخيراً بيعت البوابة الحجرية لمحكمة طرابلس الشرعية التي يعود تاريخ بنائها إلى عام 1883 بـ250 دولاراً أميركياً. أما الأعمدة الحجرية المزخرفة الثلاثة من قصر العجم فبيعت بـ750 دولاراً». وفي محاولة لوقف هدم تراث طرابلس وبيعه، أصدرت وزارة الثقافة أخيراً قرارين: «يقضي الأول بإحصاء كل الأبنية الأثرية والتراثية في طرابلس وإدخالها على لائحة الجرد العام، لكي لا يحافظ فقط على الأبنية في المدينة القديمة، فيما ينص الثاني على منع إعطاء رخصة هدم لأي مبنى في طرابلس، أثري أو غيره، إلا بعد موافقة وزارة الثقافة على ذلك». ولكن لم يعمل بهذا القرار في ما يخص مبنى آل الخاجا، الذي تعمّد أصحابه إزالة واجهته بحجّة أنها معرضة للانهيار. وأمام هذا الوضع، اقترح عدد من الناشطين «القيام بجولات يومية في المدينة لمعاينة مبانيها الأثرية، والقيام بتحركات تهدف لإيقاف أي تعديات قد تحصل». ولتعريف يافعي المدينة بتراثها، فقد اقترح المشاركون في اللقاء «تنظيم زيارات دائمة لطلاب المدارس على آثار المدينة كي يعوا أهميتها، وقرروا إقامة نوع من الشراكة بين مالكي الأبنية القديمة والبلدية ووزارة الثقافة والمجتمع المدني، علها تساعد في حماية هذا الإرث من التعدي والاندثار». وفي ختام اللقاء، انتقل الحضور مشياً إلى قرب مبنى آل الخاجا، حيث اعتصموا ورفعوا لافتات كتب عليها «لا مستقبل لمن لا يصون تراثه».