في بلد العجائب والغرائب، ألغاز لا يمكن حلها بسهولة. منها جوهرية وبالغة الأهمية مثل سر التبعية العمياء لزعماء الطوائف، برغم معرفتنا بفسادهم ونفاقهم المتفشي. ومنها صغيرة، قد لا يكون لها أهمية بمفردها، لكنها على كثرتها تغرقنا في بحر من الإزعاج والتوتر. من يفسّر مثلاً الغياب الجماعي لهؤلاء عن «تفسير» بعض الأسعار، منها على سبيل المثال أسعار مقهى مطار بيروت الدولي. فمن يفسّر لنا لماذا يبلغ سعر كوب الكابوتشينو المقدم للزبون بكأس من ورق في بار «الخدمة الذاتية» (أي من دون نادل) 7500 ليرة لبنانية؟ لا أحد سيعطينا الجواب في بلدٍ يخضع لقانون المنافسة الحرّة على طريقته، والمبني على إعطاء الاحتكار المطلق للنافذين في البلد، بحيث تكون المنافسة بين حفنة النافذين ومن يرعاهم من كبار السياسيين. في مطار بيروت، هناك مؤسسة وحيدة تتمتع بحق نهب المسافرين. والنتيجة الواضحة لهذا النهب المنظم هي غربلة المغادرين بحسب التوزيع الطبقي: الأغنياء في المقهى، والفقراء ينظرون إليهم من بعيد حالمين برشفة من فنجان قهوة يبعث فيهم الصحو. وإن كان واضحاً أن ثمة فصلاً طبقياً، إلا أن الشركة التي تدير المقهى لا تمارس الأبارتايد الطبقي! فهي شركة حضارية تشعر بالمسؤولية الاجتماعية وتحرص على مساهمتها في حماية البيئة. وهي معنية أيضاً بتثقيف الزبائن من خلال طباعة معلومات قيمة عن المحافظة على البيئة وإنجازات الشركة الخضراء في تخفيف انبعاثات الغازات التي تسبّب الاحتباس الحراري والإدارة المستدامة للغابات والتدوير وإعادة استعمال الموارد. تتباهى الشركة بثوريتها وتنعت نفسها بالـ«مقاتل البيئي»... باللغة الإنكليزية. وهذا هو الصواب بعينه، لأن من يقدر على دفع سعر قارورة ماء صغيرة «عشر مرات» لا بد أن يكون بلبلاً بالإنكليزية. أما من لا يجيدون إلا العربية فنقول لهم هارد لاك... وبلا قهوة