هل كان الأمر يحتاج لاثني عشر عاماً كي تقرّر الدولة دعم بعض الزراعات، خصوصاً الشمندر السكري؟ الجواب، على ما يبدو، نعم. ففي التاسع والعشرين من آب الماضي، أصدرت الحكومة قراراً حمل الرقم 57، وافقت بموجبه على دعم مشاريع زراعيّة عدة بمبلغ 45 مليار ليرة لبنانية، خصصت منه مبلغ 25 مليار لإعادة دعم زراعة الشمندر السكري. وقد جاء هذا القرار بعد مرور 12 عاماً على قيام الدولة نفسها برفع الدعم عن بعض الزراعات ومنها الشمندر السكري وتصنيعه. وقد أدى الأمر في حينها إلى تحوّل آلاف الدونمات من الأراضي إلى زراعات أخرى، تسببت بإغراق الأسواق بمحاصيل تعرضت في كثير من الأحيان للكساد، نتيجة عدم إيجاد أسواق خارجية لتصريفها.
عودة الدولة إلى قرار الدعم بثّ «أملاً في نفوس المزارعين الذين استبشروا خيراً بأن هذه الزراعة ستعود إلى الواجهة في البقاع»، يقول رئيس نقابة مزارعي الشمندر السكري محمد الفرو، واصفاً القرار، بأنه «نقطة تحوّل في الإتجاه الصحيح». ويأمل أن يستتبع هذا «التحوّل» بتوقيع مرسوم إعادة الدعم بأسرع وقت ممكن «لإفساح المجال أمام المزارعين ومعمل السكر للقيام بالتحضيرات اللازمة، تمهيداً للمباشرة بزراعة الشمندر مطلع العام المقبل، سيما أن شركة تصنيع السكر، أبدت إستعدادها لتجهيز المعمل وتشغيله في غضون ثلاثة أشهر على أبعد تقدير، وذلك بعد حصولها على ضمانات وتسليفات ماليّة تمكّنها من القيام بدورها». ومن أجل الوصول إلى الغاية المنشودة، يؤكد الفرو على ضرورة «إعادة النظر باللجنة المشرفة على آلية التنفيذ، وأن يتمثّل المزارعون في هذه اللجنة مع وزارتي الزراعة والإقتصاد وإدارة المعمل وتعاونيّة الشمندر السكري، وذلك منعاً لأي تجاوزات ترافق عمليّة التطبيق أو التنفيذ، كي يصل الدعم الى كل المزارعين بالتساوي، وخصوصاً صغار الفلاحين».
كلام الفرو يؤكده أيضاً المزارع عمر يوسف، وهو عضو في نقابة مزارعي الشمندر. ينتظر الرجل، مثل بقية المزارعين، بأن «تترجم القرارات على أرض الواقع قبل دخول موعد رشّ بذار الشمندر في فصل الشتاء». ويضيف «نحن كصغار المزارعين نتمنى أن تحفظ الآلية الجديدة حقوقنا، وأن لا تتكرر التجاوزات التي كانت تحصل سابقاً، وفي حال عدم تحقيق هذا المطلب، سنلجأ الى الإعتراض لتصحيح الأمور بما يتناسب مع مصالحنا».
هذه الأهمية للشمندر بالنسبة لمزارعيه توازيها أهمية أخرى اقتصادية واجتماعية وغذائية، أبرزها سابقاً الدكتور نبيه غانم، رئيس الإتحاد الوطني للفلاحين، من خلال دراسة تفصيليّة أعدّها عام 2010، اعتبر فيها أن «زراعة الشمندر السكري هي إحدى الزراعات القليلة المتبعة في لبنان، كالبطاطا، التي تحتل رأس الدورة الزراعية الثنائية السائدة في لبنان، ويجب أن تكون رباعية للحفاظ على خصوبة التربة والتخلص من الحشرات والأمراض والفيروسات الضارة، وتساهم في زيادة الإنتاج وخفض كلفته».
وإلى دراسة غانم، قامت وزارتا الزراعة والإقتصاد مطلع العام 2011، بالتعاون مع تعاونية الشمندر ونقابة مزارعي الشمندر، بإعداد مشروع اقترحت فيه الأليات والسبل المناسبة لإعادة دعم الشمندر السكري وتصنيعه. وخلصت الدراسة إلى أن كلفة زراعة الدونم الواحد من الشمندر السكري تبلغ حوالي 500 دولار أميركي. وفي المبررات الاقتصادية والاجتماعية، يوصي المشروع بأن «إعادة الدعم ستكون له إنعكاسات إيجابية على كافة المستويات، خصوصاً أن الإنتاج المحلي للسكر يغطي 25% من حاجة السوق اللبنانية، كما يؤمن فرص عمل لآلاف العائلات، ويحدّ من مشاكل التسويق، فضلاً عن تفعيل بعض الصناعات، من بينها إنتاج الأسمدة العضويّة والبلوكات العلفية عبر تفل الشمندر وتصنيع بعض المركبات مثل خميرة الخبز وخميرة العلف للسيلاج وحامض الستريك والسبيرتو والأسيتون المستخرجة من مادة المولاس»، شرط أن تجري عملية التصنيع من خلال إتفاق ما بين ممثلي المزارعين ومعمل السكر لتصنيع الشمندر مقابل سعر متفق عليه.
بعيداً عن القرارات وتمنيات المزارعين، تبقى الإشارة الى أن زراعة الشمندر السكري تتأقلم مع مختلف الظروف المناخية، فضلاً عن أن مكوناته تحتوي على مواد نيتروجينية وألياف وأملاح معدنية، يمكن للإنسان إستخدامها في معالجة بعض الأمراض، من بينها فقر الدم واضطرابات الدورة الدموية وتزويد الجسم والرئتين بالأوكسيجين. كما تساعد عصارته على ترسيب الكالسيوم في الجسم، ويمكن استخدامها للإضطرابات القلبية ومرض تصلّب الشرايين.