رغم التحولات التي شهدتها النظم الغذائية العالمية، ولا سيما في الوطن العربي، لا يزال القمح يشكل العنصر الأهم في الوجبة اليومية عند كافة شرائح المجتمع. فمنه نصنع رغيف الخبز الذي يقتات منه الفقراء، والحلوى التي أرادت ماري أنطوانيت، ملكة فرنسا، إطعامها لثوار الجوع في فرنسا عندما شحّ الخبز. للقمح رمزية أساسية في بلادنا، لكن الفارق أننا أكبر مستوردين له. فمنذ مئات السنين، أصبحت روسيا وأوروبا وأميركا أكبر منتجي القمح في العالم، والوطن العربي، من محيطه إلى خليجه، أكبر مستورد قمح على الكوكب. لهذه الأسباب، تبقى عيون المراقبين مسلطة وآذانهم صاغية لأي نبأ عن تحولات في الطقس والمناخ في بلدان الإنتاج، لأنها تنذر عادة بكارثة اقتصادية واجتماعية تضرب الفقراء، وما أكثرهم في بلادنا! والأنباء هذه السنة ليست جيدة. ضرب القحط مناطق واسعة من الولايات المتحدة وكندا، وانخفض إنتاج الحبوب إلى أقل من النصف في بعض المناطق. وعندما هرعت الحكومات العربية لشراء حاجتها من الحبوب من روسيا، فوجئت بالأخيرة وقد تأثرت بموجة من الحر قبل الحصاد بقليل قضت على جزء كبير من المحصول. لكن، في تلك الفترة، اكتشفت بعض الدول العربية، بما فيها الجزائر ومصر أن توقعاتها للإنتاج المحلي كانت مبالغة، وصارت تبحث عمّن يزودها بالعيش. شُغل العالم بهذه الأزمة كما بالأزمات المرتقبة في أفريقيا، وعقدت اجتماعات أمنية غذائية عاجلة وطارئة، وقد دخل الأوروبيون، وخصوصاً الفرنسيين، على الخط. وها هم يجهّزون أنفسهم لبيعنا قمحهم، وحتى لإرسال الكاتو إذا ما احتاج الأمر. هذه حقيقة حاضرنا، حيث تحولت شعوبنا إلى طبقة فقيرة معولمة يجب إخماد جوعها على وجه السرعة قبل أن تثور وتستولي على القصور.