ليست المؤونة هي ما يلفت في مهرجان «روّق براشيا»، على فرادتها، فهناك ما هو أهم: المشاركة النسائية في كل مفاصل سوق راشيا الوادي الأثري، تنظيماً وإعداداً وحتى انتشاراً. لم يتركوا للرجال إلا الأعمال «الشاقة»، كبناء الخيم وقيادة الأفواج الزائرة إلى قلعة راشيا التي فتحت أمام الزوار، وغيرها من الأماكن التراثية و«المقدسة»، طوال فترة المعرض الذي نظمه تجمّع إنماء راشيا، الأسبوع الماضي، بالتعاون مع بلدية راشيا الوادي وجمعياتها وتعاونياتها وبالتنسيق وسوق الطيب.
أما الميزة الثانية لهذا المعرض، فهي تنظيمه «في أنظف جو بيئي بعيداً عن التلوث المديني، ليكون أجمل يوم في راشيا»، تقول مؤسّسة التجمّع ليليان وليد المعلولي. وهنا، يكمن الهدف «الذي أردناه ليكون المهرجان مناسبة لتعريف الزائرين أيضاً بالبيئة السياحية لراشيا، بكل أنواعها وتسويق الإنتاج المحلي وعرض الصناعات اليدوية التي تشتهر بها عاصمة القضاء».
منذ التاسعة صباحاً، أقفل مدخلا السوق على المسافة البالغة 250 متراً طولاً، وبقي متاحاً أمام العابرين سيراً على الأقدام، فضلاً عن عشرات الطرقات والأزقّة التي تصبّ فيه من جانبيه الشرقي والغربي، من الأحياء المجاورة. كان السوق المقرر تحت عنوان «الرواق» صاخباً، من حيث مشاركة مختلف فاعليات البلدة وأهلها، الذين تولّوا عملية نشر المنتَجات القروية والمحلية بشكل يبرز قيمة هذه المنتجات والصناعات ويغري العين فتقترب، والوقوع بشرك الإغراء للشراء. فهنا، مختلف أنواع اللبنة البلدية والجبنة التي باتت تنتجها راشيا من خلال مصنع أنشئ أخيراً على المواصفات العالمية والبيئية «راشياز غاردنز» أو «حدائق راشيا». وفي هذا الإطار، يقول مدير المصنع فارس فايق إن «هذه السوق اليوم توحّد بين شيئين: الصناعة التقليدية بما فيها الآرتيزانا والمواصفات العالمية للمنتجات الغذائية التي يطلبها السوق العالمي». ويلفت إلى أن إعداد المنتجات يكون على مدار السنة، «واليوم في مصنعنا الذي أنشأناه منذ نحو سنة، تحت اسم راشياز غاردنز نتبع المواصفات العالمية من البناء إلى التصميم، ومن حيث اسم الماركة وسجلها التجاري ورقم الكود».
إذا كانت مشتقات الحليب وصناعات اللبن قد فعلت فعلها في إغراء زوار السوق، فإن عسل «جبل الشيخ» تميّز بجذب المتسوقين، وهو جاهز للتذوّق، و«لا تشتري قبل أن تتذوق»، يقول القيّم على جناح العسل في السوق. أما المنتجات البيتية، فمن الواضح أنها خرجت من كل بيت من بيوت راشيا، من «ورق العريش»، إلى المطبوخ بالزيت، ومختلف عصائر الليمون والحامض والشراب وماء الزهر وماء الورد وعدد من الأزهار والأعشاب والكبيس والمربيات والفاكهة المجففة ومؤونة الحبوب والزيتون والزيت والكشك والصعتر والجوز. اللافت في بضائع السوق أيضاً، ما أعدته ربّات البيوت من حلويات محلّية: من رز بالحليب، إلى المعمول بالجوز والتمر، فالكعك المحلّى بالسكّر أو الدبس والقمح المسلوق مع الجوز وماء الزهر، وغيرها من الحلويات المتداخلة مع المربيات. كذلك تخلل المعرض تخصيص محطات لشرب «المتّي»، وهي الشراب الساخن الأول في بيوت راشيا والجوار قبل الشاي والقهوة. ولمناقيش الصعتر طعم آخر هناك، فرائحتها التي تعبق في السوق تشي برائحة «البلدي» المعدّ على الصاج. وقد أغرت الزوّار، وإلى جانبها مناقيش الكشك البلدي والخضار. ويمكن الزائر أن يتناول طبقاً من التبولة أو من أطباق مختلفة أعدتها النسوة للبيع «كي يتاح للقادمين إلى راشيا تذوق مأكولاتها البيتية وطبخات نسائها»، تقول هدى فايق. أما الهدف الآخر من البيع، فهو «تشجيع النساء على المشاركة في السوق، فيتسنى لمن لم تخرج بأكياس المؤونة ومراطبينها، أن تخرج بالحد الأدنى بطبق من صنع يديها». وتشير إلى أن «منتَجاتنا من حقولنا ومواشينا ومن صنع أيادينا، من سفوح جبل الشيخ حيث تنعدم النفايات ومسممات التربة، وهي تمتاز بحفاظها على مواصفات عالمية تمكننا من نشرها في مختلف الأسواق المحلية أو الخارجية».
إلى سوق المؤونة، حلّ سوق الصناعات اليدوية، فاحتلت المدافئ التي تشتهر بها راشيا الوادي منذ عهود قديمة وتطورت إلى حد أن حدادي راشيا صاروا يعدون «صوبيات» ويصنعونها على نسق بيوت راشيا التي يعتمرها القرميد، «وهم أهدوا واحدة منها العام الماضي إلى رئيس الجمهورية ميشال سليمان عندما حضر إلى قلعة راشيا للاحتفاء بعيد الاستقلال»، يقول أحدهم. كذلك انتشرت في السوق أعمال التطريز و«الآرتيزانا» والمنحوتات الفنية.