عاماً بعد آخر، «تنفلش» نباتات الذرة في الأراضي التي لم تكن لها يوماً. اليوم، صارت المساحات للذرة في السهول اللبنانية، حيث احتلت مساحة 15 ألف دونم في سهل عكار، وما بين 15 و17 ألف دونم في سهل البقاع... كذلك كثرت استخداماتها. فبحسب رئيس الجمعية التعاونية لزراعة الأعلاف، سليم الغصين، صار القسم الأكبر من الذرة يستخدم لإنتاج الذرة «السيلاج» (الذرة العلفية). مع ذلك، تواجه الذرة الأزمة نفسها التي تواجهها الزراعات اللبنانية الأخرى، فإلى الآن «لم يصل لبنان إلى مرحلة إنتاج كميات كبيرة من حبوب الذرة الناضجة، ويعود ذلك إلى الكميات المستوردة التي تباع بأسعار أقل من حبوب الذرة المحلية؛ لأن الأخيرة تفقد ثلث وزنها بعد تجفيفها وفرزها عن أكوازها». وهنا، يشير الغصين إلى أن الوصول إلى مرحلة الاكتفاء يفترض «وضع خطة متكاملة تتبناها الدولة، لأنه ليس باستطاعة المزارعين تحمّل التكاليف المرتفعة لبلوغ هذه الغاية».
ولإظهار حسن النيات، قررت الحكومة الحالية الموافقة على «إدراج مبلغ 8 مليارات و300 مليون ليرة لبنانية لدعم زراعة الأعلاف وتطويرها في لبنان ضمن مشروع قانون موازنة عام 2012». ومن بين تلك الزراعات «زراعة الذرة الغليظة».
متابعون للشأن الزراعي والاقتصادي، يصفون هذا القرار بالخطوة المتقدمة على طريق تحسين أوضاع القطاع الزراعي، وبالتالي تنظيم الدورة الزراعية، «وخصوصاً أنه أتى استناداً إلى دراسة أعدتها وزارة الزراعة، بالتعاون مع منظمة الأغذية للأمم المتحدة (الفاو)، ومجموعة من الاختصاصيين، تتضمن كيفية إنجاح زراعة الذرة العلفية، وذلك من خلال شروحات تفصيلية توصي باتّباع أفضل الطرق للحصول على إنتاجية وجودة عالية». ويجري «اختيار الأصناف الملائمة للظروف المناخية المحلية، واعتماد تقنية الزراعة والإنتاج وإدارة المحصول». أما بالنسبة إلى كلفة الإنتاج، فقد خلصت الدراسة إلى أن متوسط الكلفة للدونم الواحد قبل الحصاد يقدّر بنحو 365 دولاراً.
من جهته، يشير رئيس نقابة المزارعين في البقاع إبراهيم الترشيشي، إلى أن هذه الزراعة لا تزال خجولة في لبنان، رغم ازدياد مساحات زراعتها عاماً بعد آخر. وإذ أثنى على القرار، استغرب عدم اعتمادها كزراعة استراتيجية ذات جدوى اقتصادية مهمّة، يمكن في حال دعمها وتطويرها، أن تسهم في تنظيم الدورة الزراعية وتنشيطها، للتخفيف من الخسائر المتلاحقة التي لحقت بالمزارعين في السنوات الأخيرة، ولا سيما «أن كلفة إنتاجها ليست مرتفعة، إذا ما قورنت مع سواها من الزراعات، لأن إنتاج الدونم الواحد منها قد يصل إلى نحو 6 أطنان بمعدل وسطي، تستخدم في معظمها لصناعة الأعلاف الحيوانية».
وعن كيفية «تجميع» المحصول، يبدأ الترشيشي من الحصاد «وفرم الحبوب والأوراق قبل نضجها كلياً بواسطة آلات حديثة مخصصة لهذه الغاية، ومن ثم تخزينها وتخميرها لتصبح مواد علفيّة تصلح لتغذية الأبقار والمواشي». ولفت الترشيشي إلى أن القسم الأكبر من الإنتاج يباع في السوق المحلية، فيما تصدّر كميات منه إلى الأردن وبعض الدول العربية. أما «عرانيس الذرة، فلا «تتعدى نسبة استهلاكها في لبنان 2% من الإنتاج على أبعد تقدير».
بدوره، يقول المزارع منور الجراح «إن زراعة الذرة ليست مربحة كثيراً، لكنها تبقى أفضل من الزراعات الأخرى التي ألحقت بنا خسائر متلاحقة لأسباب باتت معروفة للجميع»، لافتاً إلى أن الدولة «تدفع مبلغ 50 ألف ليرة عن كل دونم مزروع بالذرة، بالكاد تكفينا لتكاليف الزراعة». يزرع الجراح سنوياً «70 دونماً من الذرة»، ومع ذلك الأرباح ليست عالية؛ «إذ إن الربح الصافي لكل دونم يراوح بين 200 و250 دولاراً، وفي حالات ضئيلة يرتفع إلى 300 دولار».
بعيداً عن اهتمام المزارعين بتعزيز هذه الزراعة، يرى أحد المهندسين الزراعيين أنّ زراعة الذرة «متممة لباقي الزراعات وليست بديلة لها»، معدداً الآثار السلبيّة التي تنهك التربة، «ومن أبرزها امتصاص شتول الذرة للمواد العضوية والمعدنيّة بنسبة عاليه جداً».
تجدر الإشارة إلى أن مجموع ما تستهلكه السوق اللبنانيّة من حبوب الذرة المستوردة يفوق سنوياً 300 ألف طن، يستخدم معظمها في تصنيع الأعلاف للحيوانات والدواجن. أما بقية الكميات، فتتوزع ما بين استخراج الزيوت النباتيّة والتعليب في معامل «الكونسروة»، وصناعة الخبز البلدي، بنسبة 20% منه، إضافة إلى صناعة الحلويات وبعض المأكولات.