تعرض الجامع الأموي في مدينة حلب، الذي كان مسرحاً لمعارك عنيفة الأسبوع الماضي، لتخريب وتدمير كبيرين أتيا على هذا الصرح التاريخي الذي يعدّ من أهم المعالم السورية والإسلامية في العالم. وقد أدرجت منظمة اليونسكو المسجد الذي يعود تاريخ بنائه إلى عصور الإسلام الأولى على لائحة التراث العالمي، قبل أن يتحوّل إلى ما يشبه أثراً بعد عين.
وقد تبادل الجيش السوري والمعارضين المسلحين التهم بالمسؤولية عن إحراق المسجد وتخريبه بما لم يشهده منذ أكثر من 900 سنة.
وتعود أهمية هذه التحفة المعمارية، أساساً، إلى ندرة المعالم الأموية التي كانت سوريا مركز حكمها لأقلّ من قرن. ويُعَدّ هذا المسجد، وشقيقه الجامع الأموي في دمشق، من أهم معالمها. وقد بنى المسجد الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك ليضاهي به جامع دمشق الذي بناه أخوه الوليد بن عبد الملك. فكان جامع حلب فخماً، مزخرفاً بالفسيفساء والرخام، لكنه تعرض لعمليات سرقة وتخريب عدة عبر التاريخ، أولاها كانت على أيدي العباسيين، ومن ثم على أيدي البيزنطيين الذين أحرقوه، قبل أن يعيد سيف الدولة الحمداني ترميمه وتكبيره... إلى أن وصل التتر إلى حلب، فدمروا الحائط القبلي، فأعيد بناء الجامع وتكبيره وتزيين سقفه بالخشب المزخرف والمطعّم الذي أعطى للجامع شهرة عالمية.
وقد أصدر الرئيس السوري بشار الأسد، بحسب وكالة سانا، قراراً جمهورياً يقضي بتشكيل فريق مختص يعمل على ترميم الجامع، على أن تنتهي الأعمال خلال سنة! وفي معرة النعمان، تحوّلت المدينة مسرحاً لاشتباكات عنيفة بين المجموعات المعارضة والقوات النظامية السورية. وتتساقط القذائف يومياً وسط المعرّة حيث يقبع المتحف الذي تمركز الجيش السوري داخله، قبل أن تستولي عليه «كتيبة شهداء معرة النعمان» المعارضة وافترشت أرضه وفسيفساءاته لتحوله مقراً لها. «المقاتلون يتناولون فطورهم مستندين إلى لوحة فسيفسائية رومانية رائعة يبدو فيها ذئب وهو يطارد فريسته»، بحسب وصف مراسل وكالة فرانس برس الذي زار المتحف أخيراً.



كذلك استخدم المسلّحون الحاجز الحديدي للرواق لتحويله إلى سجن لمن يؤسر من أفراد الجيش، ووضعت سيارة رباعية الدفع تحمل رشاشاً داخل المتحف، خلف الأعمدة الرومانية.
وكان متحف المعرة في عهدة الجيش حتى منتصف آب الماضي، عندما استولى عليه المعارضون الذين تمركزوا فيه «لحمايته من السرقة والنهب»، بحسب ما يؤكد أحد قادتهم «أبو هاشم». واتهم أفراد من هذه الوحدة أفراداً من الجيش بسرقة مجموعة من القطع النقدية الإسلامية من إحدى واجهات المتحف الذي يضمّ أهم قطع الفسيسفاء المكتشفة في مدينتي أفاميا وأنطاكيا، التي تُعَدّ من روائع الفن في العالم. ويضم أيضاً مجموعة كبيرة من الأبواب المرصعة المصنوعة من حجر البازلت الأسود والفريدة من نوعها. وكل تلك القطع لا تزال في مكانها، لكن المتحف تضرر في الأسابيع الماضية بقذيفة أطلقتها إحدى مقاتلات الميغ على بعد امتار من المبنى، فتكسر زجاج نوافذه وتخلعت الأبواب وانهارت بعض الواجهات ووقعت القطع التي كانت معروضة على الرفوف، وتحطمت تماثيل رومانية.
إلا أن المخطوطات المحفوظة في المبنى لم تصب بضرر.
بين الجامع الأموي في حلب ومتحف معرة النعمان قاسم مشترك، هو استخدام المعالم الأثرية والتاريخية مركزاً للقوات المتقاتلة، وهذا خرق لاتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية في حال النزاع المسلح (1954)، التي وقعتها سورية سنة 1958. وبحسب هذه الاتفاقية، يمنع استعمال المواقع الأثرية والمباني التاريخية مراكز قتال، أو مواقع عسكرية؛ لأن يذلك يغيّر هويتها وبالتالي يحولها من نقاط بعيدة عن التجاذب إلى مواقع خلاف، وهذا ما يهدد سلامتها. هذا بالتحديد ما حصل في الجامع الأموي في حلب، وفي متحف معرة النعمان. مهما كانت غاية حملة السلاح في استعمال المواقع التاريخية، فدخولهم إليها يعرضها للخطر. لذا، يجب تفاديها، رأفة بتاريخ سوريا، بلد المتقاتلين.