يقف أهالي بعلبك مكتوفي الأيدي، ينتظرون إجابات عن أسئلتهم الكثيرة بشأن مصير المواقع الأثرية في المدينة، وخصوصاً حين تكون هناك اكتشافات جديدة. قبل أشهر، كانت مدينة الشمس على موعد جديد مع التاريخ. أغدق عليها مرة أخرى باكتشاف أعمدة ضخمة وتيجان وأحجار مكمّلة لمعبد «فينوس» الأثري القابع خلف جدران المعابد الكبيرة، الذي ينفرد بشكله الهندسي. اكتشاف لا علاقة للمديرية العامة للآثار به. وكما جرت العادة، عُثر على الأعمدة جراء الحفريات التي قام بها عمال الشركة المتعهدة تنفيذ «مشروع الإرث الثقافي».
فرح الأهالي بالاكتشاف الجديد، لأنه يشكّل عنصر غنى إضافي يرفد القلعة بمكنونات تاريخية دفنتها عوامل الطبيعة. لكن هذه المشاعر لم تدم طويلاً، فقد بددتها معلومات أكدت نية المديرية العامة للآثار إعادة طمر تلك الأعمدة والتيجان والأحجار بغية «حفظها ومنع سرقتها». قرار لم يلاقِ ترحيباً من الأهالي الذين يرفضون إملاءات وزارة الثقافة ويبحثون عن وسائل جديدة لجذب السياح الذين هجروا بعلبك بعض الشيء.
ويقول صاحب مقهى «فينوس» المجاور للمعبد إيهاب رعد إن «الأعمدة التي اكتُشفت قد تشكل عنصر غنى وجذب للسياح والزائرين». ورفضاً لقرار الطمر، اعتصم بعض أهالي المدينة أمام موقع المكتشفات، وطالبوا بإدخال الآثار المكتشفة في الموقع لتكون أداة جذب جديدة للسياح. لكن تحركهم «لم يُجدِ نفعاً»، بحسب رعد. وأوضح أنه «شُكِّلت لجنة تضم مديرية الآثار ووزارة الثقافة، أكدت وجوب الطمر من دون تقديم تبرير واضح».
وقبل أيام، بدأت جرافات الشركة المتعهدة عملية الطمر بمادة «الديفينول» بإيعاز من مديرية الآثار، وعلى مرأى من البعلبكيين. أما رئيس البلدية هاشم عثمان، فكان يتحدث عن «طمر مؤقت بالنايلون والأتربة إلى حين إنجاز بعض المعاملات الرسمية»، موضحاً أن «البلدية تابعت المسألة منذ اكتشاف الأعمدة والتيجان الأثرية، واستوضحت من المسؤولة في مديرية الآثار في بعلبك (لور سلوم) عن الخطوات اللاحقة، وعرفت أنه سيصار إلى إنشاء طريق صغير كممر للمشاة ضمن مشروع الإرث الثقافي، بين موقع القلعة وهياكل جوبيتر ومعبدي فينوس، على أن تكون هذه المكتشفات جزءاً من هذا المسار».
لكن بعد إبلاغه بالردم بالديفينول، اتصل بوزير الثقافة غابي ليون للاستفسار، فأوضح الأخير «وجود عقبات تحول دون الإبقاء على تلك المكتشفات، منها المعاملات الإدارية في التنظيم المدني والاستملاكات، إضافة إلى أن الدخول في مشروع يحتاج إلى التمويل وأشغال لمدة ثلاث سنوات»، بحسب عثمان. وكانت لافتة مطالبة الوزير رئيس البلدية بتمويل «إعادة نبش تلك المكتشفات وترميمها؛ لأن وضع الوزارات معروف»، ما استدعى من عثمان تأكيد «الدفع» وتمويل المشروع كاملاً.
تجدر الإشارة إلى أن الأهالي فقدوا ثقتهم بـ«مشروع الإرث الثقافي» الذي ينفذه مجلس الإنماء والإعمار بالتعاون مع البلدية ومديرية الآثار وبتمويل من البنك الدولي؛ إذ ليست هذه المرة الأولى التي تكتشف فيها آثار ويعاد طمرها. ففي عام 2006، اكتشفت في ساحة خليل مطران قطعتان من الفسيفساء رائعتا الجمال، أعادت مديرية الآثار طمرهما بغية إنشاء موقف للسياح وزائري القلعة. وأمام كل هذا، يتساءل أهالي مدينة بعلبك عن الجدوى من طمر تلك المكتشفات الثمينة. يقول أحدهم إن «الحجارة التي استخرجت من الموقع قرب الأعمدة المكتشفة بيعت كلها»، متسائلاً: «هل هكذا تكون حماية الآثار؟».