نشرت مجلة «فورين بوليسي»، أخيراً، مقالاً للفيلسوف الماركسي سلافوي شيشك في معرض الإجابة عن سؤال «من فاز بأزمة الانحسار الاقتصادي؟». فتحت عنوان «الرأسمالية أو كيف خسر اليسار»، يتحدث شيشك «كيف أضاع اليسار فرصة الاستفادة من المحنة؛ إذ لم يكن مستعداً للتعامل معها في غياب أي بديل واقعي وثوري». برغم فائض الكتب والمنشورات والمقالات التي تعلن فشل الرأسمالية وموتها وتفضح الممارسات المجحفة وتبين الاستغلال وانعدام الإنسانية التي تشكل أساس رأس المال، خرجت الرأسمالية من المحنة أقوى مما كانت، وتحولت إلى «هجين» مرعب وصفه بـ«الرأسمالية الشعبوية»، وهو نمط أكثر جذرية من المنظومة السابقة. ما نتج من هذا التحول، بحسب شيشك، هو صعود العنصرية الشعبوية واندلاع الحروب في البلدان الفقيرة وتوسيع الهوة بين الفقراء والأغنياء. ويأخذ الكاتب مثالاً الربيع العربي الذي أنتج بعد النشوة الأولى تسويات وأصوليات دينية. كذلك فإنه يلتفت إلى حركة «أوكوباي» (احتل) المناهضة للعولمة، التي تأثرت بتظاهرات ميدان التحرير واجتاحت العالم خلال بضعة أشهر، ومن ثم اختفت. ينهي شيشك كلامه المتشائم بالتساؤل عمّا إذا كانت هذه الأزمة مسرحية هدفها تبيان «أن البديل الوحيد للرأسمالية هو زيادة الرأسمالية». لكلام شيشك وطأة كبيرة في عالمنا العربي، في زمن ما بعد الربيع العابر. من يستطيع نكران فوز الرأسمالية الشعبوية عندما يصبح الملوك والأمراء رموز الثورات ومموليها؟ كيف نفسر انعدام الحركات المحلية المناهضة للعولمة، التي كانت قد شهدت امتداداً شعبياً خلال العقد الأول من القرن الحالي عندما أقيمت منتديات وندوات واستضافت بيروت مرتين مؤتمرات عربية ودولية مناهضة للعولمة جمعت ناشطين من العالم جاؤوا ليعبّروا عن دعمهم للمقاومة في لبنان وفلسطين؟ إذا كان سبب زوال هذه الحركات هو غياب إيديولوجيا ثورية تذهب بعيداً في رفض ما يسميه شيشك «الحالة البورجوازية التي تعتمد عليها الرأسمالية»، ألم يحن الوقت لتصحيح هذا الواقع؟