قبل نحو خمس سنوات، أطلقت مصلحة الأبحاث الزراعيّة في تل عمارة، مشروعاً جديداً تحت اسم «إدخال مفاهيم إدارة التنوع البيولوجي في عملية إنتاج النباتات الطبيّة والعطريّة في لبنان»، بعدما كانت الدراسات قد بينت أن ثمة خطورة في انقراض هذه النباتات، بسبب القطاف الجائر والرعي والتصحّر. القيّمون على المشروع، شرحوا في حينه كيفية المحافظة على أصناف عدة من هذه النباتات، من خلال إنشاء مشاتل لها في مختلف المناطق اللبنانية، ما يوفّر مورد رزق للمواطن الريفي والمزارع.
وفي خطوة تصبّ في الاتجاه نفسه، أصدرت وزارة الزراعة مطلع العام الجاري قراراً يشترط الحصول على ترخيص مسبق لاستثمار الزعتر والقصعين وتصديرهما، وذلك حرصاً منها على حماية التنوع البيولوجي في لبنان، على أن تدرس آلية للحفاظ على النباتات الأخرى، من ضمن مشروع تنفذه مصلحة الأبحاث العلميّة الزراعيّة، بإدارة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وبتمويل من «مرفق البيئة العالمي»، بهدف حماية سبعة أنواع من النباتات العطريّة الموجودة في لبنان، هي : الزعتر، الزعيتري، القصعين، عشبة صنين، الزوفي، الخاتميّة والبنفسج اللبناني.
لكن هل هناك تقدّم على هذا الصعيد؟ يؤكد المهندس الزراعي هادي مسلماني أن وزارة الزراعة تسعى إلى تحفيز المزارعين على اعتماد هذه النباتات؛ لأن كلفتها قليلة جداً، مقارنة بالزراعات التقليدية؛ إذ إن بعضها ليس في حاجة إلى الريّ ورش المبيدات، ويمكن أن تنمو في الأراضي البعليّة، «وفي الوقت نفسه يستفاد منها لرعاية المواشي التي لا تقترب منها»، لافتاً إلى أن «الجمعية اللبنانيّة للزراعة الحضريّة» التي يشرف على نشاطاتها، والتي تعنى باستثمار المساحات الصغيرة داخل المدن للحفاظ على التوازن البيئي، زرعت عام 2005 نباتات إكليل الجبل والخزام على مساحة نحو 25 دونماً داخل مدينة بعلبك، وقد جاءت النتائج ممتازة. لكن هذه التجربة لم تستكمل بسبب حرب تموز عام 2006. وأضاف مسلماني أن وزارة الزراعة في صدد إعداد مشروع لاختبار زراعة الوردة الشاميّة، التي تُعَدّ في بعض الدول من الزراعات المهمة؛ «لأن كل مساحة 10 دونمات مزروعة بهذه النبتة تنتج ليتراً من الزيت المستخرج منها، ويصل ثمنه إلى حدود 25 ألف دولار أميركي»، موضحاً من الناحية التقنيّة «أن أي نبات، لكي يدخل في مسمى المواد العطريّة والطبيّة، ينبغي تحديد غرض استخدامه لجهة المواد الزيتيّة المستخرجة منه»، متمنياً على المعنيين إجراء المزيد من الأبحاث والبرامج في هذا المجال، وبالتالي تكثيف الجهود لتطوير زراعة هذه النباتات، التي لا تزال في طور البداية، ومن الملاحظ أنها تتوسع تدريجاً عاماً بعد آخر. في السياق، يشير سميح ساسين، وهو صاحب معمل في زحلة معدّ لتجفيف النباتات الطبيّة والعطريّة وتوضيبها ضمن مظاريف صغيرة، أن بعض هذه الأصناف التي تنتج بكميات قليلة محلياً، يشتريها من المزارعين في لبنان، «بمعظمها من البقاع والجنوب مثل إكليل الجبل، الزهورات، القصعين، الزعتر، الورد الجوري، وغيرها من الأعشاب. أما الكميات الكبيرة مثل البابونج وأنواع أخرى غير متوافرة في السوق المحلية، فتستورد من الخارج، وبنسبة كبيرة من مصر»، لافتاً إلى ضرورة تشجيع هذه الزراعات في لبنان؛ لأن مردودها المادي مقبول نسبياً، وصولاً إلى الاكتفاء الذاتي والاستغناء عن استيرادها من دول أخرى؛ لأن في ذلك توفيراً للوقت والمال. وعن فوائد بعض هذه النباتات على صحة الإنسان، يجمع خبراء التغذية على أن ماء القصعين المقطّر على سبيل المثال يستخدم لعلاج التهاب الحنجرة وتقرحات الفمّ واللثة ونزفها، وهو مفيد في اضطرابات الدورة الشهرية وعوارض انقطاع الطمث، وأوراقه تستعمل لعلاج الكدمات والأورام، وذلك من خلال غليها مع خلّ التفاح حتى تصبح طريّة ثم توضع داخل قطعة قماش وتوضع كمادات في المنطقة المصابة، ويمكن استخدامها كإسعاف أولي للدغات الحشرات. وفي جميع الأحوال، يجب تفادي جرعات ماء القصعين أثناء الحمل. أما الزعتر البلدي، ففضلاً عن استخدام أوراقه لإعداد المناقيش، يمكن الإفادة منه لتغذية جهاز المناعة وتقوية الجسم عموماً، وهو يشكل وقاية من الأمراض الناجمة عن البرد. ولأزهار البنفسج ميزتها أيضاً، فبعد تجفيف أوراقها في الظل، لا تحت أشعة الشمس، تغلى ويستخدم محلولها لمعالجة أمراض السعال والربو والالتهابات، وهي منشطة لوظائف الكبد، وتساعد في التخفيف من آلام الصداع والشقيقة. ولعشبة إكليل الجبل دورها في صناعة العطور ومستحضرات التجميل والصابون المعطّر، مع الإشارة إلى أن هناك نحو 300 نوع من النباتات الطبيّة والعطريّة تنتشر في غير منطقة لبنانية، يحتاج بعضها إلى مساعٍ لاكتشاف أماكن وجودها عشوائياً في الجرود الوعرة.