يطلق العاملون في وزارة الداخلية والبلديات على الطابق الأوّل من مبناها تسمية «طابق الوزير». هنا تُرسم الاستراتيجية وتُعدّ الدراسات، وهنا يفاخر المقرّبون من الوزير باقتراب موعد إعلان مشاريع خطّطوا لها على مدى عامين ونصف عام، وآن أوان تنفيذها، «ولا شيء سيوقفها» يقول واثقاً، مستشار الوزير زياد بارود، ربيع الشاعر. هي المرة الأولى التي يطلّ فيها الشاعر عبر الإعلام ليحكي عن المشاريع التي تعدّ لها الوزارة في ما يتعلق بشؤون البلديات. يضع خريطة عمل أمامه تتضمن جدولاً بالمشاريع التي تصل موازنتها إلى 15 مليون دولار، ويروح يعدّدها بحماسة واضحة، مبدياً حرصه على التأكيد أنّ الإعلان الرسمي عن إطلاقها سيتولّاه الوزير زياد بارود عبر مؤتمر صحافي يُعقد للغاية خلال الشهر الجاري.
نبدأ من المديرية العامة للمجالس المحلية، لا يطيل الشاعر الحديث عن وضعها الإداري السيّئ، بل يتجاوز ذلك مباشرةً إلى تقديم الحلول وتقديم الموعد الأول. يقول: «وصلنا إلى مديرية عامة هيكليتها تتألف من 300 شخص، لكن ليس فيها فعلياً إلا 30 شخصاً، وقسم منهم متعاقد. هذه المشكلة الأساسية وضعتها الوزارة في أولوياتها، وكانت المهمة الأولى التي قمنا بها هي إعادة تصنيف للمديرية بعد موافقة مجلس الخدمة المدنية. إعادة التصنيف هذه، التي أنجزناها، ستخوّلنا القيام بإعادة الهيكلة، التي يُفترض أن تنتهي خلال أسبوعين. نحن ننتظر الآن تقرير الخبير الذي رشّحه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، د. رنده أنطون، لإعادة الهيكلة، وبعد أن نوافق عليه سنرفعه إلى المراجع القانونية المختصة، للحصول على موافقة مجلس الوزراء. هذا ملف يخوّلنا الطلب من مجلس الخدمة المدنية إجراء امتحانات لملء الشغور، لأننا لا نستطيع أن نكمل في هذا الشلل الكامل.
الموعد الثاني مرتبط بمشروع قانون اللامركزية، الذي يمثّل عماد خطاب القسم. وفي هذا الإطار يتحدّث الشاعر عن أمرين، الأول هو إنجاز الكتيّب الذي يحتوي على 100 سؤال وأكثر من 200 جواب تتعلق باللامركزية. في رأيه «هذه طريقة جديدة في صياغة القوانين تقوم على التشاركية والشفافية. طموحنا أن نطرح كل المسائل الإشكالية، وأن نضعها في متناول الناس».
في موازاة الكتيّب، تطلق الوزارة 80 ورشة عمل في مختلف المناطق اللبنانية، تمتدّ على ستة أشهر. هذا العمل الذي يُفترض أن ينطلق هذا الشهر أيضاً، يجري برعاية الـundp وبتمويل من مكتب التعاون الإيطالي وتصل قيمته إلى 435 ألف دولار أميركي. ويقول الشاعر إن الورش «ستناقش بطريقة متخصصة القضايا التي تتعلق باللامركزية، كلّ على حدة. ستُعدّ ورقة العمل وترسل إلى المشاركين مسبّقاً لكي يأتوا إلى الورشة وهم يحملون إجاباتهم عنها، وستضمّ الورش فعاليات اقتصادية، ممثلين عن المجتمع المدني، عن البلديات واتحادات البلديات، وأحزاباً وخبراء. في نهاية الشهور الستة سنُعدّ تقريراً شاملاً عن الطروحات التي قُدّمت، وسنرتكز عليها في صياغة مشروع القانون، الذي يُفترض أن يصدر بعد شهرين من انتهاء ورش العمل، ملتزمين بالبيان الوزاري».
الموعد الرابع هو إعلان نتائج الدراسة التي أعدّتها الوزارة بالتعاون مع البنك الدولي، وبالاتفاق مع وزارة المالية، والتي تتضمن 160 مقترحَ حلّ لمالية البلديات «سنخرج منها بـ20 اقتراحاً يمكننا تطبيقها حالياً». وبناءً على هذه الدراسة التي استغرقت عاماً من الوقت، «نستطيع القول إنّ نصف عمل اللامركزية منتهٍ».
ألا يجب أن تترافق نتائج هذه الدراسة مع الكتيّب الذي تنوون إصداره؟
«بالضبط. لقد تأخر الكتيّب فترة من الزمن لأننا لا نريد إعداد دراسات من دون تنسيق بينها، قبل أيام جمعت فريق العمل الذي تعاون مع البنك الدولي، مع معدّي الكتيّب، لننطلق بتقرير شامل».
الموعد الخامس هو إطلاق الورش التدريبية، وذلك في انتظار إعادة الهيكلة وتوظيف موجّهين بلديين في الوزارة، علماً أنّ فيها موظفاً واحداً من أصل عشرين. يوضح الشاعر «نعمل في مجال تدريب القدرات البشرية على صعيدين، البلديات واتحادات البلديات. مع الاتحادات عملنا مع مكتب التعاون الإيطالي وبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية un habitat، لتوحيد معايير التدريب في لبنان، وسندرّب اتحادات البلديات على مدى سنتين أو أكثر من سنتين».
كذلك تعدّ الوزارة برنامجاً لتدريب 1200 عضو، رئيس ونائب رئيس بلدية. هذه الورش، «التي تجري بالتعاون مع الـundp، ستشمل 300 بلدية كمرحلة أولى. بعدها سننتقل إلى كلّ البلديات». التدريب سيكون على ثلاثة أصعدة: قانوني، مالي، والتنمية المحلية. وفي هذا الإطار، يتحدّث الشاعر عن مناقصة رست على شركة إيطالية وبتمويل إيطالي، لوضع خطة استراتيجية للإنماء المحلي، «يمكننا القول إنه خلال سنة، سيكون عندنا في كلّ لبنان خطة وطنية عن أولويات الإنماء المحلية».
ورداً على سؤال عن سبب اهتمام الإيطاليين بالبلديات، يعيده الشاعر إلى طريقة العمل والثقة التي بنيت بين المانحين والوزارة، «قلنا لهم إن كلّ جهة منكم تقوم بعمل رائع لكنكم تحتاجون إلى مايسترو. وضعنا خطة توجيهية، جمعنا كل المانحين على طاولة واحدة لتنظيم العمل وقلنا لهم هذه سلة فيها حاجاتنا وأولوياتنا. أخبرونا أين يمكنكم المساعدة. صار كلّ مانح يختار من هذه السلة مشاريع بالاتفاق مع الوزارة وينفّذها». وعن طريقة تحديد الأولويات، يوضح الشاعر أنها انطلقت من حاجات الوزراة التي سلف ذكرها «الهيكلية التنظيمية، التشريع، المالية، بناء القدرات البشرية».
المرحلة الثانية من خطة العمل ستنطلق بتمويل من الاتحاد الأوروبي، وتصل قيمتها إلى 40 مليون دولار، «لكي لا تُنفَق بطريقة غير مؤثرة، وضعنا أولويات الوزارة أمامنا، وما لم يتأمّن تمويله بعد سننفق عليه».
وبالعودة إلى مالية البلديات، وبعض الحلول التي اقتُرحت لمساعدة البلديات على القيام بمشاريع إنمائية، يقول: «نحن نعرف أن البلديات تعتمد فقط على الصندوق البلدي المستقل، الذي نطمح إلى أن يكون مستقلاً بالفعل، وعندنا اقتراحات وهذا ما ستقدّمه دراسة البنك الدولي. من هذه الحلول إعادة النظر في الرسوم البلدية التي يصل عددها إلى 36 رسماً، ثلاثة منها فقط لها قيمة، إعادة النظر في الرقابة المالية اللاحقة، وفي تكوينات الصندوق البلدي المستقل والطريقة الواجب اعتمادها لتوزيع الأموال بطريقة عادلة أكثر».
من هذه الأفكار التي لا تزال قيد الدرس، إنشاء صندوق للتنمية البلدية يساعد البلديات على جلب الأموال، ليس في إطار الهبات فقط، بل قد يصل الأمر إلى الاستدانة، أي أن يمثّل نوعاً من بنك ويقرض وفق معايير علمية جداً، بعيداً عن أيّ طابع سياسي.
باختصار: «قد تحتاج بعض الاقتراحات إلى تطوير أكثر، أو إلى موافقة سياسية لكن يمكن القول إنه بات لدينا دراسة موجودة، وأيّ وزارة أو إدارة قد تأتي يمكنها الاستعانة بها، وتطلب مراسيم تطبيقية لها».


خطة رئيسية

ينطلق مستشار وزير الداخلية، ربيع الشاعر، من خطة رئيسية بدأ الإعداد لها منذ عام 2009، لشرح استراتيجية العمل داخل الوزارة من أجل تطوير عملها. وفي ملخص عن العمل الذي يعني بالإدارات المحلية يقدّم ورقة تتضمن المشاريع المدرجة ضمن المرحلة الأولى، التي تصل موازنتها إلى نحو 15 مليون دولار. المانحون هم USAID (تسعة ملايين و300 ألف دولار)، البنك الدولي (3 ملايين دولار)، برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (720 ألف دولار)، السفارة الإيطالية ومكتب التعاون الإيطالي (مليون و377 ألف دولار أميركي). أما المرحلة الثانية من خطة العمل، فتتضمن مساهمة كبيرة من الاتحاد الأوروبي قيمتها أربعون مليون دولار أميركيّ. وكلّ هذه الأموال ستنفق ضمن الأولويات التي حدّدتها الوزارة لتنظيم وضعها الإداري، التنمية المحلية، تمويل البلديات، بناء القدرات وصولاً إلى الحكومة الإلكترونية.