قبل يومين، فقدت حكومة سعد الحريري أكثر من ثلث أعضائها المحدد في مرسوم تشكيلها، فأصبحت بحكم المستقيلة، بموجب نص المادة 69 من الدستور اللبناني. صارت الحكومة، التي كانت في الآونة الأخيرة معتكفة عن الاجتماع، حكومة تصريف أعمال، لا تمارس صلاحياتها بعد اعتبارها مستقيلة «إلا بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال» بحسب نص المادة 64 من الدستور.
ما معنى «المعنى الضيق لتصريف الأعمال»؟ وهل تدخل المحكمة الدولية في هذا الإطار؟ يجيب وزير العدل الأسبق بهيج طبّارة قائلاً: «لا تأثير مباشراً بين استقالة الحكومة وعمل المحكمة الدولية»، مفضّلاً عدم الاستفاضة في الحديث عن المحكمة والقرار الاتهامي المرتقب، لكون الأمر عائداً إلى تقدير المسؤولين، وإلى ما ستؤول إليه الأمور. أما في ما خص «تصريف الأعمال بالمعنى الضيّق»، فقد رأى طبارة في حديث مع «الأخبار» أنّ هذا النص الدستوري «مبهم ومطّاط»، لكنه بحسب العرف الدستوري يعني «العمل على عدم وقوف عجلة الإدارة، فكل وزير يصرّف الأعمال التي لا تتطلب قرارات تلزم من يأتي بعده في الوزارة، أما مجلس الوزراء، فلا يمكنه الاجتماع لأنه بالمبدأ لا يمكنه اتخاذ قرارات». يستدرك طبّارة لافتاً إلى أن بعض الأمور يمكن أن تطرأ على البلاد «تجعل حكومة تصريف الأعمال تتخذ قرارات حيالها، مثل ما حصل عام 1969، عندما بقيت الحكومة 6 أشهر في تصريف الأعمال، واضطرت إلى إقرار ميزانية، وكذلك حكومة أمين الحافظ، التي أعلنت حالة الطوارئ قبل نيلها ثقة مجلس النواب وهي في حالة تصريف أعمال، لكنّ الحكومة الحالية أصبحت مستقيلة باستقالة أكثر من ثلث أعضائها، واجتماعها يحتاج إلى نصاب مكتمل».
من جهته، رأى وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال إبراهيم نجّار أن «استقالة الحكومة الحالية لا تؤثر في عمل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، إذ لا علاقة بين عمل المحكمة المستمر واستقالة الحكومة». وأوضح نجّار في حديث مع «الأخبار» أن لا حاجة إلى اتفاقيات دولية جديدة بشأن المحكمة وصدور قرار اتهامي عنها، في ظل وجود اتفاقيات قديمة «تقع مسؤولية تطبيقها على عاتق السلطات اللبنانية». أما عن خطوة استقالة الوزراء من الحكومة، فقد أشار نجّار إلى أنها «كانت متوقعة، لأن الاتفاق الذي كان معروضاً يمثل خياراً تعجيزياً، ففي ظل عرض «أخذ الاستقرار مقابل إلغاء المحكمة» كنّا متأكدين من الوصول إلى ما وصلنا إليه».
إلى ذلك، أكّد مسؤول قضائي رفيع لـ«الأخبار» أنه في حال صدور القرار الاتهامي عن المحكمة الدولية خلال فترة تصريف الأعمال «فإن هذا لا يوثر شيئاً في القرار، لأنّ الجهة اللبنانية التي تتواصل مع المحكمة هي النيابة العامة التمييزية، ولا دور لوزارة العدل بالأمر، وبالتالي لا يهم إن كانت الوزارة في حالة طبيعية أو في حالة تصريف أعمال، وكل هذا مذكور في الاتفاقية المعقودة بين الدولة اللبنانية والمحكمة الخاصة بلبنان». ماذا لو صدر القرار الاتهامي وفيه أسماء لمواطنين لبنانيين، عندها ماذا بإمكان النيابة العامة التمييزية أن تفعل في حال عدم امتثالهم للاستدعاء المقدّم بواسطتها؟ يجيب المسؤول القضائي الرفيع بنبرة ملؤها الثقة: «عندها نرى على ماذا تنص الاتفاقية الدولية، كل شيء مذكور فيها ولا مكان للاجتهادات». يُشار إلى أنّ المحكمة الخاصة بلبنان كانت قد أقرّت أواخر العام الماضي تعديلاً في قانون الإجراءات والإثبات، أصبح بموجبه صدور أحكام غيابية أمراً ممكناً في حال عدم وجود موقوفين.


هكذا قال الدستور

تنص المادة 69 من القانون الدستوري على أن الحكومة تُعدّ مستقيلة في الحالات التالية: إذا استقال رئيسها. إذا فقدت أكثر من ثلث عدد أعضائها المحدد في مرسوم تشكيلها. بوفاة رئيسها. عند بدء ولاية مجلس النواب. عند نزع الثقة منها من جانب المجلس النيابي بمبادرة منه، أو بناءً على طرحها الثقة. وعند استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة، يُصبح مجلس النواب حكماً في دورة انعقاد استثنائية حتى تأليف حكومة جديدة ونيلها الثقة.
أما المادّة 64 من الدستور، فتنص على أن «على الحكومة أن تتقدم من مجلس النواب ببيانها الوزاري لنيل الثقة في مهلة ثلاثين يوماً من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها. ولا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة، إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال».