لم يعد خافياً على أحد أن الصراع داخل العائلة السعودية الحاكمة وصل إلى أوجه، وأن الأبناء والأحفاد يتصارعون على الثروات. صراع متنوع ومختلف كان محصوراً داخل أروقة قصور العائلة المالكة التي يُمنَع على أفرادها تشهير بعضهم ببعض، وثمة قاضٍ شرعي موظف عندهم يفصل في خلافاتهم وفق منظور فقهي ـــــ اجتهادي خاص بهم، والأقوى أو الأكثر نفوذاً منهم يمكنه رسم الحكم أو الفصل في خلاف ما لمصلحته.القضاء الديني والمدني الخاص بالعائلة السعودية الحاكمة وصل الاعتراض على أحكامه وقراراته إلى القضاء اللبناني الذي ينظر لأول مرة في تاريخ العلاقة اللبنانية ـــــ السعودية القضائية والقانونية بأكثر من دعوى وشكاوى بين أفراد من العائلة المالكة السعودية بتهم متنوعة ومختلفة، وكر وفر بين المتقاضين و«جيوش» محاميهم، بشأن صلاحيات القضاء اللبناني في النظر في دعاوى وشكاوى كهذه، أبرزها «الشكوى مع صفة الادعاء المباشر» التي قدمتها الأميرة سارة بنت طلال بن عبد العزيز آل سعود، أمام قاضي التحقيق الأول في بيروت (سجلت بتاريخ 4/10/2010 أمام دائرته بالرقم 37/2010 ونيابة عامة رقم 18996/2010) يحق شقيقها الأمير تركي وقاضي العائلة الشيخ أحمد بن سليمان العريني وكل من يظهره التحقيق، بجرم تزوير مستندات رسمية واستعمال المزور بهدف السيطرة على أملاك وعقارات في لبنان تعود ملكيتها لها، إضافة إلى ادعاء آخر قدمته الأميرة سارة على شقيقها الأمير تركي أمام قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان، متهمة فيه شقيقها الأمير بجرم تزوير عقد بيع عقاري، حيث سجلت شكواها تحت الرقم 210/2010.
وفي ملف الخلاف العائلي السعودي ـــــ السعودي، تتهم الأميرة سارة شقيقها الأمير تركي «بالتواطؤ» مع قاضي العائلة الشيخ أحمد العريني بأنهما استصدرا عدة إفادات قضائية صادرة عن قاضي العائلة في المملكة العربية السعودية. وتوضح في ادعائها أن شقيقها الأمير تركي والشيخ العريني أصرا على «استعمال المستندات المزورة، مع علمهما بأن قانون المرافعات السعودي لا يجيز للقاضي إصدار قرارات، أو أن يضع يده على أملاك عقارية خارج المملكة السعودية»، وأنه في هذه الإفادات يدعي الأمير تركي أن شقيقته الأميرة سارة بنت طلال «قد تخارجت وتنازلت عن جميع حصصها الإرثية العائدة لها من والدتها الأميرة موضي بنت عبد المحسن بن عبد الرحمن العنقري (طليقة الأمير طلال) في لبنان ومصر والمملكة السعودية وجنيف».
ويقول محامو الأميرة سارة إنها تملك بالإرث عن المرحومة والدتها موضى العنقري بعض العقارات في لبنان، كذلك يملك المدعى عليه الأول (الأمير تركي) حصصاً إرثية في العقارات ذاتها، والمدعى عليه الثاني (قاضي العائلة الحاكمة الشيخ العريني) أقدم بالاشتراك مع المدعى عليه الأول على تزوير مستند في السعودية من طريق تضمينه وقائع كاذبة على أنها صحيحة، وأقدم المدعى عليه الأول على استعمال هذا المستند المزور في لبنان بهدف إبطال حصر إرث المرحومة موضى العنقري. ويضيفون أن المدعى عليهما «زورا مستنداً رسمياً من طريق تضمينه وقائع كاذبة على أنها صحيحة، وأقدما على استعماله في لبنان»، مطالبين القضاء اللبناني بوجوب الادعاء على الأمير تركي وقاضي العائلة الحاكمة و«التحقيق معهما وملاحقتهما بجرائم التزوير المنصوص عليها في المواد 456 و457 و458 عقوبات وجريمة استعمال المزور المنصوص عليها في المادة 454 من القانون ذاته وإبطال المستند المزور الجاري استعماله وتنفيذه في لبنان».
هذا الصراع بين أفراد من العائلة الملكية السعودية لا يحق للقضاء اللبناني بته، وفق رأي محامي الأمير تركي بن طلال بن عبد العزيز آل سعود، الذين أوردوا في دفوعهم الشكلية أن المدعى عليهما من الأميرة سارة «سعوديا الجنسية، ومقام الاثنان هو في المملكة العربية السعودية، وهما لم يلق القبض عليهما في لبنان ولا في غيره من البلدان، والجرم المعزو إليهما وقع في السعودية، ومن هنا لا يمكن القول بصلاحية القضاء اللبناني في النظر بجرم التزوير». ويضيفون أن التزوير «بحسب ادعاءات المدعية (الأميرة سارة) ومزاعمها هو واقع في مستند صادر عن القضاء السعودي، أي إن جرم التزوير تم واكتمل في المملكة السعودية، وبالتحديد في وزارة العدل، قضاء مجلس العائلة. فهل يجوز للقضاء اللبناني التحقيق في واقعة تزوير مستند صادر عن القضاء السعودي؟». ويتابعون إن المستند المطعون في صحته «هو قرار صادر عن قاض سعودي بمعرض نظره في نزاع على تركة المرحومة موضي بنت عبد المحسن العنقري بين مستحقي تلك التركة. والتحقيق في تزوير ذلك الحكم أو عدمه هو من اختصاص القضاء السعودي؛ لأن الأمر يمس بالنظام القضائي السعودي». ويعزو أيضاً محامو الأمير تركي عدم صلاحية القضاء اللبناني في النظر في الدعوى المقدمة من الأميرة سارة بحق شقيقها الأمير تركي وقاضي العائلة الحاكمة، بتهمة التزوير واستخدام المزور في لبنان، إلى أن «عناصر التركة الرئيسية موجودة في المملكة السعودية، فيما التركة الموجودة في لبنان ثانوية بالنسبة إلى تلك التي في المملكة، وفي هذه الحالة لا يمكن القول بأن مكان حصول الضرر هو في لبنان؛ لأن الضرر الأساسي والكبير المزعوم هو في السعودية حيث الكتلة الإرثية الكبرى للمرحومة موضي»، ويطلبون «رد الدعوى لانتفاء صلاحية المحاكم اللبنانية لعدم الاختصاص للنظر بالدعوى».
هذا الجدل ما زال بعيداً عن أسوار قصور العدل في لبنان، فالمسار القضائي لهذه الدعاوى من المتوقع ألا يتأثر بأية ضغوط.
ثمة رجال قانون يؤكدون صلاحية النظر في هذه الدعوى في لبنان، بغض النظر عن الاجتهادات القانونية الأخرى، فيما يتوقف آخرون عند الصورة الإيجابية التي يعكسها سلوك بعض الأميرات أو النساء السعوديات المتمردات على السلطة البطركية، ويلفتون إلى ضرورة تشجيع هذه الظاهرة، ويضيفون نهاية أن الفضاء القضائي هو وجهة مناسبة لكل مطالب أو مشكك بأن الوسائل الأخرى قد لا تساعده على استرداد حقه.


بين الفصلين السادس والسابع

يدور الصراع القانوني بين الأميرة سارة بنت طلال وشقيقها الأمير تركي حول مجموعة كبيرة من العقارات وحصصهما الإرثية من والدتهما في لبنان وغيره من البلدان. ويدور النزاع القضائي في لبنان (18 شكوى من تركي على شقيقته) حول العقار الرقم 3222 في عين سعادة، والعقار الرقم 1959 في برمانا، وفي شركة M.A.A. المسجلة في السجل التجاري في جبل لبنان بالرقم 68523 وشركة موضي العنقري وشركائها المسجلة في السجل التجاري في بيروت بالرقم 75469، وثمة نحو 5 شكاوى في مصر بشأن عقارات وجواهر، وأخرى مماثلة في جنيف.
يقول مطلعون أن ضغوطاً سياسية تمارس على جهات قضائية في أكثر من بلد لوقف هذه «الإهانة» التي تتعرض لها المملكة، إضافة إلى ضغط يمارس على أفراد من العائلة لنقل نزاعهم إلى القضاء السعودي، وتحديداً إلى مجلس قضاء العائلة. ويشير هؤلاء إلى أن «قضاء العائلة المالكة يصدر قرارات وفق قوة نفوذ هذا الأمير أو ذاك، ما اضطر بعض أفراد الأسرة إلى التوجه نحو القضاء اللبناني والمصري والسويسري لحل خلافاتهم».