وقع خطوات ثقيلة لرجل أشيب ببزّة كحلية رسمية دون ياقة قطع ترقّب الحاضرين في قاعة المحكمة العسكرية أمس. عقارب الساعة تشير إلى الحادية عشرة إلا خمس دقائق، مشى المتّهم برفقة عسكريين اثنين من نظارة التوقيف ليمثل أمام هيئة المحكمة الدائمة برئاسة العميد نزار خليل. هناك وقف وتسمّر قربه حارسان. انشدّت أنظار الحضور باتجاه العميد المتهم بالتعامل مع العدو الإسرائيلي، فيما ركّز هو نظره نحو محاكِميه الجالسين على قوس العدالة. وقف وأمامه كتابا القرآن والإنجيل ليستمع إلى المتحدّثين في جلسة كان يعلم مسبّقاً أنها ستؤجَّل. لم يطل وقوف العميد المتقاعد فايز كرم أكثر من دقائق، كانت كافية ليُعلن رئيس المحكمة العسكرية تأجيل الجلسة إلى يوم 22 شباط. موعد التأجيل أثار امتعاض العميد المتّهم، فرفع يده طالباً الإذن بالكلام دون أن يحصل عليه. تحدّث وكلاء الدفاع الثلاثة، فتمنّت المحامية سندريلا مرهج على العميد نزار خليل تقريب موعد الجلسة، لكنّ الرئيس هزّ برأسه رافضاً، وأكّد أن مواعيد الجلسات لديه مكتظة. خفض المتّهم كرم يده صامتاً ليُعلمه أحد الحارسين بوجوب المغادرة. التفّ الأخير عائداً أدراجه قبل أن يستمهله أحد الأشخاص مصافحاً. سيق كرم إلى خارج القاعة ليغادر بعده أقاربه ووكلاؤه وبعض الإعلاميين الذين حضروا لنقل الحدث.
وقائع المشهد أعلاه، فصلت بين مشهدين مماثلين إلى حدٍّ ما. مشهدُ ما قبل الدخول إلى قاعة المحكمة، ومشهد الخروج منها يوم أمس، الذي كان قد حُدّد موعداً لبدء جلسات محاكمة العميد المتقاعد فايز كرم بتهمة التعامل مع العدو الإسرائيلي. في الأول، كان حضور عائلة كرم وأقاربه عند الساعة العاشرة إلا ربعاً. زوجته وولداه وآخرون. حضر بعدهم إعلاميون من مختلف الوسائل الإعلامية، إضافةً إلى وكلاء الدفاع الثلاثة: المحامون رشاد سلامة وسندريلا مرهج وإيلي كعدو. تبادل الجميع أطراف الحديث لتكون الخلاصة يقيناً بالتأجيل. أما المشهد الثاني الذي كان مماثلاً لدقائق الصباح الأولى إلى حدٍّ ما، فخرقه امتعاض وكلاء الدفاع من تأخير موعد الجلسة التالية نحو شهر ويومين. وبذلك يكون قد جرى الإرجاء لسببين، الأول عدم بتّ الدفوع الشكلية التي تقدّم بها وكيل الدفاع عن كرم قبل نحو أسبوع، والسبب الثاني عدم إبلاغ المتهم الفار من وجه العدالة الياس كرم موعد جلسة أمس، ولإبلاغه بالموعد المقبل.
بعد الجلسة، تحدّث وكلاء الدفاع إلى الوسائل الإعلامية، فذكر المحامي رشاد سلامة أنه «لم يتسنّ لمفوّض الحكومة الاطّلاع على مذكرة الدفوع الشكلية التي تقدّموا بها لطلب بطلان التحقيق الأوليّ وعدم سماع الدعوى». وشرح سلامة أنه كان هناك متّسع من الوقت للنظر في المذكرة، لكنه رجّح أن تكون قد وصلت إلى مفوّض الحكومة أول من أمس، ما سبّب ضيق الوقت، ومنعه من إبداء الرأي فيها. بدورها ذكرت المحامية سندريلا مرهج أنهم لم يفاجَأوا بالتأجيل لأنه كان مؤكَّداً، باعتبار أن المتهم الياس كرم متوارٍ عن الأنظار وموجود خارج الأراضي اللبنانية على الأرجح، مشيرةً إلى أنه كان من الطبيعي أن يؤجل ليبلّغ لصقاً. وذكرت المحامية مرهج أن الجلسة المقبلة قد تكون لبتّ مذكرة الدفوع الشكلية والإجرائية التي سبق أن تقدّموا بها، لافتةً إلى أنه إما سيصار إلى عدم سماع الدعوى أو السير بها، وبالتالي استجواب العميد فايز كرم. كذلك كرّر المحامي إيلي كعدو ما أدلى به زملاؤه، مشيراً إلى أنه إذا ردّت المحكمة الدفع الشكلي ولم يستأنفوا هم القرار الصادر، فسيذهبون مباشرةً إلى الاستجواب لتكون الجلسة المقبلة هي الجلسة الأساسية.
إذاً، كما كان متوقّعاً، أرجأ رئيس المحكمة العسكرية الدائمة العميد نزار خليل جلسة محاكمة العميد فايز كرم، الموقوف بجرم التعامل مع العدو الإسرائيلي، إلى 22 شباط المقبل. أما السبب، فهو عدم تبلّغ المتهم الثاني الياس كرم الدعوى، حيث طلب رئيس المحكمة تبليغه لصقاً. وبذلك تكون الجلسة الثانية جلسة استجواب للعميد المتهم، فيما يحاكم المتهم الثاني غيابياً في حال عدم حضوره.
يُذكر أن القرار الاتهامي الذي أصدره قاضي التحقيق العسكري الأول رياض أبو غيدا كان قد اتهم القيادي في «التيار الوطني الحر» العميد المتقاعد فايز كرم، بجرم التعامل مع إسرائيل، طالباً له عقوبة السجن حتى 15 عاماً. وتحدّث عن تاريخ العلاقة بين كرم والإسرائيليين الذي يمتد من عام 1982 حتى تاريخ توقيفه قبل نحو ثلاثة أشهر. كذلك عرض القرار تفاصيل متابعة الأرقام الدولية المشتبه في استخدامها من جانب الاستخبارات الإسرائيلية للتواصل مع عملائها، حيث حُدّدت ثلاثة أرقام مشبوهة تبيّن أن أحدها نمساوي، تلقّى رسالة نصية أُرسلت من رقم لبناني، تبيّن أنه يعود إلى كرم، الأمر الذي أوقع به ليُستدعى إلى التحقيق. تضمّن القرار اعترافات كرم بحضور وكيله، وكان أبرزها أنه سافر عام 2006 إلى فرنسا حيث التقى ضابطاً إسرائيلياً يدعى رافي، الذي أبلغه أن الهدف من اللقاء هو التواصل ومناقشة الوضع السياسي العام في لبنان. وأورد القرار أنه بناءً على أسئلة محددة طرحها الضابط رافي، زوّد كرم خلال فترة تعامله، الاستخبارات الإسرائيلية، أسماء الكوادر الأساسية المؤثّرة في «التيار الوطني الحر»، وأسماء معارفه من قادة «حزب الله» كالحاج غالب أبو زينب والحاج محمد صالح والحاج وفيق صفا، والسيارة التي يستعملها. جاء في القرار أن كرم كان يعرف منذ البداية أن الموساد الإسرائيلي يريد تجنيده لأمور أخرى غير تزويده معلومات سياسية، مؤكّداً استعماله خطوطاً أمنية تتغيّر كل سنة لعدم انكشاف أمره. وبحسب القرار فقد صودرت كمية من الأسلحة غير المرخّص لها، والذخائر من منزل كرم ومكتبه، بينها بنادق حربية، قبل أن يخلص إلى أنه ثبت في التحقيقات الأولية والاستنطاقية وباعترافات كرم إقدامه على التواصل والاجتماع مع أحد عملاء الموساد وتزويده معلومات، فضلاً عن قبول العميد المتقاعد مبالغ مالية وصلت إلى 14 ألف يورو.



علاقة العميد الموقوف بالمتّهم الفارّ

ذكر القرار الاتهامي الصادر عن قاضي التحقيق العسكري رياض ابو غيدا أنه خلال عام 1992، هرب المدّعى عليه العميد المتقاعد فايز كرم (مواليد 1948) إلى منطقة الشريط الحدودي، وتحديداً إلى منطقة بكاسين على إثر صدور مذكرة توقيف غيابية بحقه، وأقام في منزل أحد معارفه هناك المدعو خوسيه عفيف لمدة شهر، وطلب بعدها من هذا الأخير الاتصال بأحد مسؤولي الأمن في جيش لحد المدعى عليه الياس كرم وإبلاغه بأن المقدم فايز كرم هرب من السوريين ومن الجيش اللبناني ويريد الاجتماع بالضابط «موس» ليسهّل له أمر السفر إلى قبرص. ولدى حضور المدعى عليه الياس كرم، اصطحبه إلى داخل إسرائيل، حيث حقّقت معه الاستخبارات الإسرائيلية بشأن سبب هروبه من لبنان، ثم سُمح له بالسفر بالباخرة إلى قبرص عن طريق مرفأ حيفا. ومن هناك سافر كرم إلى فرنسا، وبقي فيها حتى عام 2005 تاريخ عودته إلى لبنان. وخلال عام 2006 اتصل به أحد الأشخاص معرّفاً عن نفسه بأنه صديق الضابط الإسرائيلي «موس» ويريد مقابلته في فرنسا. يشار إلى أن العميد كرم كان قد شغل رئاسة فرع مكافحة الإرهاب والتجسس في مديرية الاستخبارات في الجيش اللبناني.