قبل نحو شهرين، بثّت شبكة «CBC» الكندية تقريراً صحافياً ذكرت فيه أن الرائد وسام عيد، الذي تصادف اليوم ذكرى مرور ثلاث سنوات على اغتياله، كان قد اكتشف، ومعه محققون دوليون، «أدلة ظرفية على تورّط حزب الله في اغتيال رفيق الحريري، من خلال تحليل لاتصالات هاتفية، وهذه يصعب تحويلها إلى براهين مقبولة في المحكمة». هكذا، أعاد التقرير الصحافي المذكور الرائد عيد إلى الضوء من جديد، وعادت معه التأويلات والتفسيرات بشأن جريمة اغتياله ومن يقف وراءها، علماً بأنها ليست من الجرائم التي أحيلت على المحكمة الخاصة بلبنان.خلال الشهرين الماضيين، أي منذ بثّ التقرير الصحافي الكندي، خبا ذكر الرائد عيد في الإعلام من جديد، وصولاً إلى يوم أمس، حيث أقيم لذكراه احتفال رمزي في مبنى بلدية دير عمار ـــــ الشمال. حضر الاحتفال المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، فقدّم التعازي لعائلة الرائد عيد باسم رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، وباسم المؤسسة، وألقى كلمة أكّد فيها أن «استشهاد وسام هو وسام على صدورنا ونعدّه من الرجال الخالدين في هذا البلد، إذ لم يسبق لأي ضابط عربي أن سجل في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي مثل هذا الإنجاز، حيث أسس لكشف السر التقني الذي أدّى إلى اكتشاف 24 شبكة للعدو الإسرائيلي». كان لافتاً ما أضافه ريفي في كلمته عن الرائد عيد، حيث قال إنه، فضلاً عن اكتشاف شبكات التجسس الإسرائيلية، قد «أسس أيضاً لاكتشاف جرائم كبرى حصلت في لبنان، وقد سبق أن قلت إن التاريخ والأجيال القادمة ستعرف الإنجازات التي قام بها الرائد عيد، ونحن فخورون بهذه الإنجازات». لم يُحدّد ريفي شيئاً عن هذه «الجرائم الكبرى»، وبالتالي لم يُعرف ما إذا كانت جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري من ضمنها أو لا. غير أن بعض المتابعين لهذه القضية رأوا في هذا التصريح «تماشياً وتماهياً مع ما جاء في التقرير الصحافي الذي بثّته قبل نحو شهرين شبكة CBC الكندية». اتصلت «الأخبار» باللواء ريفي لاستيضاحه عن تلك «الجرائم الكبرى»، إلا أن الاتصال لم يكن متاحاً أمس.
ريفي في كلمته أمس، قال إنه «لا مهرب من العدالة، لأنها هي التي تعطي الاستقرار، لا عدالة تقودنا إلى الثأر والانتقام، لأن العدالة تقتص من المجرم، والثأر يقتص من الأبرياء. وأي وطن يريد حماية نفسه، يجب أن يركّز على العدالة، والعدالة وحدها تعطي الاستقرار والأمن للوطن». في سياق الحديث عن العدالة، يُشار إلى أن الاختصاص القضائي للمحكمة الخاصة بلبنان ينحصر في التحقيق والملاحقة في جرائم الاغتيال ومحاولة الاغتيال، التي وقعت بين الأول من تشرين الأول 2004 (محاولة اغتيال مروان حمادة) والثاني عشر من كانون الأول 2005 (جريمة اغتيال جبران تويني)، وذلك إذا ثبت تلازم تلك الجرائم مع جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وبالتالي، فإن جريمة اغتيال الرائد وسام عيد لا تدخل في اختصاص هذه المحكمة، إلا إذا أدخلت تعديلات على اختصاصها ليشمل جرائم أخرى وقعت بعد 12 كانون الأول 2005، لكون نظام المحكمة (القرار 1757) يتيح للأمين العام للأمم المتحدة، بالتشاور مع الحكومة اللبنانية، توسيع اختصاصها ليشمل جرائم أخرى قد تكون متلازمة مع جريمة اغتيال رفيق الحريري، إلا أن هذا لم يحصل حتى الآن.
إذاً، قضية اغتيال الرائد عيد بقيت قضائياً في لبنان، وقد أحيلت منذ حصولها على القضاء العسكري، وتولّى القاضي رشيد مزهر التحقيق فيها، إلى أن أحيلت أخيراً على قاضي التحقيق الأول في المحكمة العسكرية رياض أبو غيدا. هنا يبرز سؤال، هل حصل تقدم ما في التحقيق في هذه الجريمة؟ يجيب مسؤول قضائي رفيع قائلاً: «لا جديد فيها. لم تبرز معطيات في هذه القضية، وبالتالي لا نتائج حتى الآن». لماذا لمّا يتوصل التحقيق والقضاء إلى شيء؟ تسأل «الأخبار» المسؤول القضائي، فيجيب «هذا ما هو متاح أمامنا في ظل الإمكانيات المتوافرة لدينا».
يُشار إلى أن الاحتفال الذي أقيم أمس لذكرى الرائد عيد، حضره ممثل وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال زياد بارود، العميد روجيه سالم، النائب كاظم الخير، النائب قاسم عبد العزيز، النائب أحمد فتفت ممثّلاً بمنسّق «تيار المستقبل» في الشمال بسام الرملاوي. وكان وفد من ضباط قوى الأمن الداخلي قد وضعوا ستة أكاليل من الزهر أمام اللوحة التذكارية في موقع الانفجار (الشيفروليه)، والتي تحمل أسماء الشهداء: الرائد المهندس وسام عيد والمعاون أسامة مرعب، إضافة إلى الشهداء المدنيين الذين قضوا في الانفجار نفسه، وهم: آلان صندوق، إلياس فارس، سعيد عازار ورجا المغربي.



قوى الأمن تعرّضت لتهديد أمني!

رداً على سؤال، قال المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي أمس، «سبق أن تعرضت قوى الأمن لتهديدات وتهويلات وحتى لتهديد أمني، والشهيد وسام عيد كان ضحية هذا الاستهداف، ونحن أخذنا على عاتقنا مسؤولية حماية وطننا من كل أنواع الجرائم، سواء كانت جريمة جنائيّة أو منظّمة أو إرهابية أو تجسّسية، ونحن نعرف مسبقاً أن هذه المهمة ثمنها كبير في التضحية بالدم والجهد. ورغم أننا نتعرض لهجومات، سواء إعلامية أو سياسية، فنحن مستمرّون مهما كلف الأمر». وأضاف ريفي في معرض ردّه: «الكل يعرف الأمر تماماً، أنه لحظة الاستشهاد وبعد ربع ساعة كنت أمام مسرح الجريمة، لكي أؤكد للخصم وأقول له مهما استهدفت أو تطاولت باستهدافك لنا فنحن سنكمل هذه المسيرة».