هو «أي عمل ينتج منه ألم، أو عذاب شديد، جسدياً كان أو عقلياً، يُلحَق عمداً بشخص ما بقصد الحصول منه، أو من شخص ثالث، على معلومات أو اعتراف». هذا هو التعذيب، أو هكذه تُعرّفه الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، التي صادق عليها لبنان قبل 11 عاماً. هل هذا التعذيب يمارس في لبنان؟ هل تشهد النظارات ومراكز التوقيف وغرف التأديب لدى القوى الأمنية تعذيباً، أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة؟ للأسف الجواب هو نعم، وباعتراف المسؤولين الأمنيين. ولأن الجواب كذلك، أطلقت جمعية «عدل ورحمة» مشروع مناهضة التعذيب وسوء المعاملة
، أمس، برعاية المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، وذلك في حفل أقيم بفندق الحبتور ـــــ سن الفيل.
هو ليس المشروع الأول، ولا الاجتماع الأول الذي يتناول آفة التعذيب في لبنان، لكن ربما هو الأول الذي تشارك فيه القوى الأمنية، رسمياً، من خلال إنشاء لجنة خاصة لمتابعة موضوع التعذيب، ومن خلال نشر أرقام هواتف مسؤولي هذه اللجنة لتلقّي شكاوى المواطنين. هكذا، أصبح بإمكان أي مواطن أن يتصل مباشرة برئيس اللجنة العميد الطبيب شربل مطر على رقم هاتفه الخاص وهو 70243104. كذلك يمكن الاتصال بعضو اللجنة، الرائد مارون الخوند، على رقم هاتفه 70243790. ولمن أراد إرسال شكاوى موثقة يمكن من اليوم فصاعداً إرسال فاكس على الرقم 01611345. جمعية «عدل ورحمة» الممثلة في اللجنة المنبثقة بصفتها عضواً، وضعت هاتفها أيضاً في متناول المواطنين لتلقّي الشكاوى على الرقم 01901560 أو من خلال الدخول إلى بريدها الإلكتروني ([email protected]).
«صار فيك تحكي، التعذيب ممنوع، ما تسكت عنو»... من هذه العبارات اتخذت جمعية «عدل ورحمة» عنواناً لمشروعها، الذي أطلق أمس، بتمويل من الاتحاد الأوروبي. رئيس الجمعية الأب هادي عيّا، أكّد لـ«الأخبار» جدية الخطوة، متعهداً بمطالبته عند أي تقصير يحصل مع أي شكوى تتلقاها الجمعية. وفي كلمته التي ألقاها في الحفل، لفت عيّا إلى تسجيل 700 حالة تعذيب خلال سنتين في السجون ومراكز التوقيف، ذلك غير الإساءة والأفعال المهينة، فضلاً عن حالات الوفاة الكثيرة. وقد تطرق، مستشهداً، إلى خبر استقالة وزير الداخلية الكويتية منذ أيام على خلفية وفاة شاب كان موقوفاً لدى الأجهزة الأمنية، ويُشتبه في أنه تعرّض للتعذيب.
«الأحاديث عن التعذيب قد تكون مضخّمة، وقد يكون جزء منها صحيحاً»... هكذا تحدّث رئيس اللجنة الخاصة بمتابعة موضوع التعذيب، العميد الطبيب شربل مطر.
طرحت «الأخبار» السؤال: لماذا لا تعلن «للرأي العام العقوبات التي ينالها المسؤولون عن التعذيب؟» فأجاب العميد مطر «لقد لحقت عقوبات بضباط وعناصر، ونحن نجري جولات تفقدية باستمرار على مراكز التوقيف، خاصة تلك التي يُهمس أن التعذيب يمارس فيها بنحو بارز، لكن إعلان العقوبات بالأسماء لا يمكن لأنه يصبح تشهيراً، وبكل الأحوال ستكون هناك شفافية ووضوح وصرامة في عمل اللجنة».
في سياق الحديث عن حفل أمس، برزت المشاكل السياسة، مرّة أخرى، عائقاً إضافياً أمام الإصلاحات، فحتى اليوم لم تتخذ أي إجراءات من جانب الحكومة لوضع الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب حيّز التنفيذ، وذلك عملاً بأحكام البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، الذي انضم إليه لبنان بتاريخ 22 كانون الأول عام 2008. من جهة ثانية، لفت العميد مطر في كلمته أمس إلى هذه المشكلة، إذ «لم يقونن بعد ما نص عليه البروتوكل المذكور، إلا أن القوانين المرعية الإجراء شدّدت على منع استعمال العنف أو الشدة مع الموقوفين أو السجناء سواء أثناء التحقيق أو خلال احتجازهم، وأكدت أنه لا يجوز إكراه الشهود أو المشتبه فيهم أو المشكو منهم على الكلام إذا امتنعوا أو لزموا الصمت، وذلك تحت طائلة بطلان إفادتهم سواء في الجرم المشهود أم غير المشهود». وأضاف مطر: «نعلم أن العنف موجود في ثقافة مجتمعنا حيث لا يزال يعتمده الأهل أحياناً أثناء تربية أولادهم، وأن رجال الأمن هم من نسيج هذا المجتمع، فإن التخلص من هذه الثقافة يتطلب مجهوداً كبيراً، وسبق أن نظمنا دورات تدريبية عدة في موضوع مناهضة التعذيب بالتعاون مع المؤسسات والجمعيات الناشطة في هذا المجال، وحالياً نعدّ دورات لنحو 1000 من الضباط والعناصر المعنيين بالتحقيقات والمحتجزين». وختم داعياً الجميع إلى إبلاغ اللجنة عن حالات التعذيب على العنوان وأرقام الهاتف التي أصبحت في متناول الجميع.


لقطة

ألقت سيسيل أبادي، أمس، كلمة الاتحاد الأوروبي في حفل إطلاق مشروع مناهضة التعذيب. أشادت أبادي بالتنسيق القائم بين المجتمع المدني والسلطات، وأشارت إلى أن وزارة الداخلية قد بذلت، ومعها قوى الأمن الداخلي، جهوداً كبيرة لتعزيز حماية حقوق الإنسان، والدليل إنشاء قسم لحقوق الإنسان في قوى الأمن الداخلي. من جهة ثانية، لفت رئيس قسم حقوق الإنسان في قوى الأمن الداخلي، الرائد زياد قائد بيه، إلى دراسة بيّنت أن 83 في المئة من اللبنانيين لا يثقون بالقوى الأمنية، مشيراً إلى أهمية توعية رجال الأمن إلى ضرورة الابتعاد عن ثقافة العنف. يُشار إلى أن عدداً ممن حضروا احتفال أمس، دعوا المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي إلى إعادة تعميم المذكرة حول التعذيب على جميع القطاعات والوحدات لديها.


... والأمن العام على الدّرب

علمت «الأخبار» أن المديرية العامة للأمن العام في صدد الإعداد لمشروع يناهض التعذيب في مراكز التوقيف التابعة لها، وذلك على غرار ما فعلت قوى الأمن الداخلي، أمس، حيث أطلقت أفكاراً لهذه الغاية بالتعاون مع بعض جمعيات المجتمع المدني.
يُشار إلى أن القوانين المرعية لا تسمح للقوى الأمنية ببمارسة العنف، إلا بنحو غير مباشر، وذلك استناداً إلى المادة 225 من القانون رقم 17 التي تنص: «على رجال قوى الأمن الداخلي، عندما يُمارسون صلاحياتهم الإكراهية، اجتناب كل عنف لا تقتضيه الضرورة». هذا في ما خص العنف، فما بال المعذِّب الذي يفرغ على المعذَّب، وهو معقتل لديه، أصناف الأذى والضرب والإذلال، فيما الأخير لا حول له ولا قوة.