خلال العام الماضي، شهد لبنان ظاهرة تمثّلت في الاعتداء على العاملين في المستشفيات والعبث بمحتويات أقسام الطوارئ فيها. بدأت المسألة بحوادث متفرقة، ثم راحت تتكرر على نحو واسع في مختلف المناطق، إلى أن أصبحت ظاهرة استدعت رفع الصوت من المعنيين. اليوم، يتخوّف بعض المحامين من أن يلحق بهم وبمكاتبهم ما لحق سابقاً بالمستشفيات، وخاصةً بعد تعرّض عدد منهم لاعتداءات مختلفة، كان آخرها دخول أشخاص مجهولين إلى مكتب المحامي عبدو أبو طايع، الكائن في منطقة الجديدة ـــــ بيروت، فعبثوا ببعض المحتويات وسرقة أجهزة كمبيوتر.
قرّرت نقابة المحامين في بيروت رفع الصوت، وذلك قبل أن تنتشر هذه الظاهرة و«يغار المعتدون بعضهم من بعض مسقطين هيبة المحامي، فيصبح مكسر عصا لكل شخص لا يعجبه أداء المحامي، أو حتى بسبب عدم الرضى على النتائج التي يحققها المحامي في قضية ما»، على حد تعبير أحد المحامين.
هكذا، أصدرت نقابة المحامين بياناً استنكرت فيه «ما تتعرض له بعض مكاتب المحامين، من الدخول اليها عنوةً عن طريق الكسر والخلع والعبث بمحتوياتها وبملفات بعض الموكلين، وآخرها ما تعرض له مكتب الأستاذ أبو طايع صباح الخميس 10/2/2011»، وأهابت النقابة بالسلطات المختصة، من قضائية وأمنية، إعارة الموضوع الاهتمام اللازم والتحري عن الفاعلين وتعقّبهم وتوقيفهم وإحالتهم أمام المراجع القضائية المختصة وإنزال أشد العقوبات بهم، وذلك «لوضع حد للفلتان ولهذه الفوضى ولحماية حقوق المواطنين والموكلين، ومن أولجهم القانون حق الدفاع عن حقوقهم ومصالحهم، وتشديد العقوبة بحقهم لأنّ الاعتداء على المحامي أو مكتبه يعاقب عليه بعقوبة الجرم نفسه عند الاعتداء على القاضي».
في حديث لها مع «الأخبار»، دعت نقيبة المحامين في بيروت أمل حداد إلى عدم الذعر، كما دعت في المقابل المسؤولين إلى ملاحقة المعتدين وعدم التهاون في هذا الموضوع. لفتت حداد إلى أن بعض حالات الاعتداء «لم تكن تحمل أيّ طابع سياسي أو ما شاكل، فبعض الحالات كانت ستحصل في أيّ مكان آخر، وفي حالات أخرى جرى توقيف الفاعلين بعد التعرّف عليهم من خلال الكاميرات التي التقطت صوراً لوجوههم».
من جهته، لفت المحامي عبدو أبو طايع، الذي تعرض مكتبه لاعتداء قبل 5 أيام، إلى أنه استطاع حصر نحو 5 ملفات لقضايا موكل فيها، في رأيه أن الحصول على إحداها هو سبب ما حصل. وذكر أن المعتدين الذين دخلوا إلى مكتبه سرقوا جهازي كمبيوتر محمولين، عليهما معلومات عن الملفات المذكورة، علماً أنهم لو كانوا يريدون مجرّد السرقة لكانوا أخذوا أشياء ثمينه موجودة وظاهرة في المكتب. وفي حديث له مع «الأخبار» رفض أبو طايع الكشف عن طبيعة الملفات التي يتصوّر أنّ الاعتداء حصل بسببها، تاركاً الأمر في عهدة التحقيق، وأضاف قائلاً: «لقد وصلت الرسالة، وفهمتها، لكن سأكمل الرسالة المهنية، فقد ترافقنا مع الخوف قديماً ولم نتأثر بذلك». وقد رأى أبو طايع، الذي لا يخفي هواه السياسي المنسجم مع قوى «14 آذار»، أن الاعتداء «ليس سياسياً، بل لأسباب مهنية، وعلى كل حال فإنّّ المحامي وناقل الكفر ليس بكافر، أنا أدافع عن شخص أرى أنّ لديه حقاً»، ولفت المحامي إلى أن وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال، زياد بارود، اتصل به شخصياً للاطمئنان «بصفته وزيراً ومحامياً أيضاً، كذلك حضر إليّ أفراد من فرع المعلومات ومن استخبارات الجيش لمعرفة حيثيات ما حصل».

شكاوى ومطالب

اتصلت «الأخبار» بعدد من المحامين، وسجلت بعض مشاكلهم، منها موضوع صندوق تعاضد المحامين، الذي سبق أن نودي بإنشائه للمساهمة في تقديم أفضل تغطية للنفقات الطبية بدلاً من أن تبقى الأمور في عهدة شركة تأمين واحدة، لكن هذا الصندوق لم يولد بعد. مشكلة أخرى يوردها أحد المحامين، ويسميها «المنافسة غير القانونية»، مثل كتّاب العدل الذين يأخذون أعمال المحاماة، مثل تنظيم العقود، علماً أن هذا الأمر مناط حصراً بالمحامين. أما على مستوى العلاقة مع القوى الأمنية والمخافر، فيلفت المحامي إلى ضرورة تعديل المادة الـ47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، ليصبح بإمكان المحامي الحضور مع موكله أثناء التحقيق الأولي، فهذا غير متاح حالياً. ويشير إلى أن بعض المحامين «من أصحاب المعارف والواسطات فقط يحضرون في التحقيقات الأولية، من خلال رشى أو محسوبيات». وفي هذا الإطار، يعتب بعض المحامين على نقابتهم لعدم إعلان العقوبات التي ينالها بعض المحامين المخلّين بآداب مهنتهم، من دون ذكر أسمائهم، لكن يكفي أن تُذكر الأمور بالعموم، لمزيد من الشفافية وحتى الردع، وخاصةً أنّ بعض المحامين أدينوا أخيراً بسلوكيات مسيئة.



لقطة

تصدر نقابة المحامين قرارات تحدد بموجبها الأتعاب التي يتقاضاها المحامون، لكي لا يصبح لكل محام قيمة أتعاب خاصة، لكن، في هذا الإطار، يشير أحد المحامين إلى أن «بعض الزملاء يحاولون سرقة الزبائن من خلال خفض القيمة التي يطلبونها من الموكلين، وفي كثير من الأحيان لا يعطون الموكل نتيجة، حتى إن بعضهم ليس لديه مكتب بل يجعل من صندوق سيارته مكاناً لتخزين ملفات موكّليه ويدور من مكان إلى آخر». ويلفت المحامي إلى ما يسمّيه «الدكاكين المنشرة أمام قصور العدل، التي تضع لافتات علنية عن تقديم استشارات قانونية، علماً أن القانون يحصر تقديم هذه الاستشارات بالمحامين، لكن مع ذلك لا نرى من يتحرك أو يفعل شيئاً لمنع ذلك. ربما لأن بعض هذه الدكاكين محمية من شخصيات معينة».



ليسوا ملائكة

المحامون ليسوا ملائكة، حتماً، فبعضهم يسيء إلى سمعة المهنة من خلال تعامله مع موكليه ويستغل مشاكلهم القضائية ثم يتهرب. منهم من يأخذ مبالغ مالية من والدة موقوف ما، ويعدها بالإفراج السريع عنه، مستغلاً استعدادها لفعل أيّ شيء لترى ولدها في المنزل، فيحصل أن يغيب المحامي عن السمع ويتهرب ممّا وعد به. أحد المحامين يذكر هذه المشكلة صراحة، ويدعو أيّ شخص لديه مشكلة مع محام ما إلى أن يتوجه إلى النقابة ليتقدم بشكوى رسمية. ويلفت المحامي المذكور إلى مشكلة يعانيها المحامون المتدرجون، إذ يُطالب النقابة بإيلاء هؤلاء أهمية قصوى. ويذكر أن بعض المحامين الذين يتدرب لديهم محامون متدرجون «يكون آخر همهم ماذا يتعلم المتدرج، فلا يحسن إعداده مهنياً».