يصف القاضي جون قزّي وضع المرأة اللبنانية في بلدها بـ«رحلة العمر بين الذلّ والظلم». وكيف يراها غير ذلك بعد الطعن في أيار 2010 بحكمه القضائي الذي أعطى من خلاله سميرة سويدان الحقّ بإعطاء أولادها الجنسيّة اللبنانية، بعد معاناة بدأت مع وفاة زوجها المصري. تناول قزّي، مساء البارحة، خلال ندوة «النساء والقانون في لبنان» التي نظّمها «المعهد الفرنسي للشرق الأدنى» في المركز الثقافي الفرنسي في بيروت، وضع قانون الجنسيّة للمرأة، المحكوم بقوانين عام 1925. ورأى القاضي أنّ الشرط الأساسي لتقدّم أي مجتمع هو أن يكون القانون في خدمة الإنسان، بينما القوانين المتعلّقة بالجنسيّة في لبنان هي منتهية الصلاحيّة! فتح الموضوع باب النقاش مع شريكته المحاضرة في الندوة، منسقّة حملة «جنسيّتي حقّ لي ولأسرتي» رلى المصري، حول ما إذا كان التوازن الطائفي هو ما يمنع منح المرأة اللبنانية الجنسيّة لزوجها الأجنبي وأولادها، أم هو المجتمع الذكوري بامتياز. إذ تحدّث قزّي عن نساء يدافعن بشراسة عن المجتمع الذكوري، ويسئن إلى قضيتهنّ أكثر من الرجال أنفسهم. ينتج الجهل في المجتمع اللبناني نساء متعصّبات ضدّ أنفسهنّ، كما أنّه ينتج نساء صامتات عن حقّهن. ففي أحد «زواريب» منطقة حيّ السلّم، هناك امرأة، فاديا بيضون، لا تعرف شيئاً عن أبسط حقوقها. لا عن حقوق المرأة ولا عن حقوق العمّال الأجانب، فضلاً عن حقّها في منح الجنسيّة اللبنانية لأولادها. يصبح غنيّاً عن القول إنها لا تعرف أيضاً سميرة سويدان أو ما تطالب به. عندما ترى بيضون، لا يمكنك لومها، فالفقر لم يترك لها مجالاً للمعرفة أو لإدراك حقوقها. تقودك إلى «شقّتها» تحت الدرج في أحد مباني حيّ السلّم، ثلاثة منافذ للمجرور تفيض بمياهها وجراثيمها على أولادها الخمسة، وتبقيهم في حاجة دائمة إلى زيارة الطبيب. في المنزل المؤلّف من غرفتين، تتشارك 4 قطط حياتها مع الأولاد. ينامون في أسرّتهم ويقتاتون من ربطة الخبز الباقية على الطاولة. يتنازع الأولاد مع القطط على كل شيء، وخاصة على الطعام الذي إن وُجد، هو عبارة عن صحن من اليخنة يقدّمه أحد الجيران إحساناً، وإلّا فلا شيء. للتخفيف من حدّة المنافسة، عمد الأولاد الى قتل صغار إحدى القطط التي عادت وحدها تجول في منزلهم. الأب هو خارج الصورة. فهو عامل مصري رحّل منذ سنة تقريباً لأنه لم يكن قادراً على دفع تكلفة الحصول على الإقامة، وذلك قبل موافقة مجلس الوزراء في 21 نيسان 2010 على مشروع المرسوم الذي ينظّم الدخول إلى لبنان والإقامة فيه والخروج منه بإضافته نصاً يقضي بمنح زوج اللبنانية الأجنبي إقامة بعد انقضاء سنة على زواجها به، وبمنح أولادها سواء كانوا قاصرين أو راشدين، يعملون أو لا، «إقامة مجاملة» يصل مداها إلى 3 سنوات. لكن من الواضح أنّ «مجاملة» الدولة تبقى بعيدة عن حلّ الموضوع. كيف تتعامل بيضون مع غياب زوجها وعدم قدرته على إعالة أسرته من بلده؟ بعد رحيله بفترة، بدأت بيضون تعمل في تنظيف المنازل لتسدّ حاجات الأسرة، لكن مرضها هي الأخرى وحالات الإغماء التي تصاب بها، منعاها من مواصلة العمل. دقّت بعدها بيضون أبواب جمعيات مدنيّة وحزبيّة عدّة، علّها تساعدها. فتقول إنّ إحدى الجمعيات الحزبيّة في المنطقة، تعطيها مبلغ 50 دولاراً كلّ ثلاثة أشهر، بينما العديد من الجمعيّات يطلب هويتها قبل صرف المساعدة، لا لسبب سوى معرفة المذهب الذي تنتمي إليه، فكلّ يحصر مساعداته بأبناء ملّته. وغيرهم كان يرفض، طالباً منها أن تطلب المساعدة من بلد زوجها! «أخرج دوماً مجروحة والغصّة بقلبي»، تقول.
تعاني هذه السيدة اليوم من صعوبات كثيرة لتأمين ما يفترض أن يكون حقّاً مكتسباً لأولادها في الحصول على وجبة طعام. لكن يصعب إخبارها أيضاً أنّ الطريق سيصبح أصعب عندما يكبر أولادها، ديانا (13 سنة)، زاهية (12 سنة)، محمد (10 سنوات)، عادل (6 سنوات) وعلي (10 أشهر)، ويواجهون الحياة الصعبة في لبنان من دون جنسيّة.