أصدر أمس القاضي المنفرد في المحكمة العسكرية في قصر العدل بطرابلس العميد الركن فريد الخوري، حكماً قضى ببراءة المهندس المعماري والناشط الفلسطيني إسماعيل الشيخ حسن من التهمة الموجهة إليه، وهي «إقدامه على توجيه شتائم إلى الجيش اللبناني خلال مشاركته في تظاهرات وتحركات في مخيم نهر البارد صيف العام الماضي». الحكم يمثّل محطة مضيئة جداً، فالمحكمة العسكرية برّأت ناشطاً عبّر عن رأيه، ولم يقم إلا بتوجيه انتقادات علمية في إطار ديموقراطي، كذلك فإنها تلفت إلى التعاطي مع مشاكل المخيمات على أساس احترام حقوق سكانه وحرية التعبير. الجلسة التي كانت سرّية، ولم يحضرها سوى الشيخ حسن ومحاميه نزار صاغية، إذ لم يُسمح لعدد من الأصدقاء الفلسطينيين واللبنانيين لهم بالدخول، استمرت نحو 10 دقائق، قبل أن يُعلقها القاضي لمدة ساعتين تقريباً إلى حين إصداره الحكم نحو الساعة الواحدة من بعد ظهر أمس، فعلّق الناشط الفلسطيني قائلاً: «الحكم كتير منيح، عقبال براءة مخيم نهر البارد!».
خلال الجلسة سأل الخوري الشيخ حسن إذا كان قد شتم الجيش فنفى، فأخبره الخوري أن التهمة وجهت إليه على أساس بلاغ أوصله أحد الأشخاص إلى قيادة الجيش في المخيم، فكرر الشيخ حسن نفيه وسأل: «من هو هذا الشخص حتى أكذبه؟ كل ما قمت به من تحركات ونشر مقالات في الصحف، هو مجرد توجيه انتقادات لتصحيح الوضع البائس والصعب الذي يعانيه أهالي المخيم، وللدفاع عن حقوقهم، وذلك في إطار ضوابط حرية إبداء الرأي التي يكفلها القانون».
صاغية أوضح للقاضي أنه «لا دليل على أن موكلي قد شتم الجيش، وهو بريء من التهم الموجهة إليه؛ لأن لا شيء في ملفه يثبت عكس ذلك»، مضيفاً أن التطرق إلى مقال نشره في الزميلة «السفير» في 12 أيار عام 2010، ينتقد فيه الممارسات العسكرية والسياسية في التعاطي مع ملف إعادة إعمار المخيم «ليس من صلاحية القضاء العسكري، بل يدخل ضمن اختصاص محكمة المطبوعات، فضلاً عن عامل تقادم الزمن (مرور أكثر من 3 أشهر) لجهة نشره مقاله، ما يجعل كل التهم الموجهة إليه ساقطة».
وكان الشيخ حسن (قرابة 30 عاماً) قد أوقفته استخبارات الجيش اللبناني عند مدخل المخيم في شهر آب الماضي بسبب تلك المقالة، قبل أن تطلق سراحه لاحقاً. لكن المحكمة العسكرية أصدرت بحقه حكماً غيابياً قضى بحبسه لمدة شهر بتهمة «تعرضه للمؤسسة العسكرية»، وذلك خلال وجوده في بلجيكا حيث يعمل ويتابع في الوقت ذاته إعداد أطروحته للدكتوراه في مجال «تخطيط وتصميم المدن» في جامعة «لوفن» القريبة من العاصمة بروكسل.
الشيخ حسن قال لـ«الأخبار» إنه لم يتبلغ «أن هناك جلسة لمحاكمتي، كذلك لا أحد من أفراد عائلتي تبلغ بذلك أيضاً»، مشيراً إلى أنه «بعد عودتي من بلجيكا يوم الخميس الفائت في 10 شباط الجاري، بعد أن قضيت في بلجيكا فترة 5 أشهر تقريباً، فوجئت بقيام عناصر الأمن العام في مطار بيروت بتوقيفي، حيث أمضيت عندهم 24 ساعة قبل أن يتدخل المحامي نزار صاغية لإطلاق سراحي، ثم أبلغت لاحقاً بتحديد يوم أمس موعداً لجلسة لي لدى المحكمة العسكرية في طرابلس للنظر بالقضية، فحضرت وكان ما كان».
وإذ يؤكد الشيخ حسن أن «ما حصل معي لن يجعلني أوقف نشاطي، وسأكمله بكل قوة»، شدد على أنه «لم أشتم الجيش أو أي طرف آخر، لكن من حقنا نحن أهل مخيم نهر البارد أن نتحدث عما يجري فيه من أخطاء وتجاوزات وانتهاكات، وتأثير الحالة العسكرية على حياة الناس فيه، إذ أصبح المخيم مفصولاً عن محيطه الجغرافي في المنية وعكار بعدما كان سوقاً تجارياً لهذه المناطق».
حسن الذي يرى أن «ما حصل معي ليس منفصلاً عمّا يحصل في المخيم»، متطرقاً إلى توقيف الناشط في مجال حقوق الإنسان حاتم مقداد منذ فترة لمدة 3 أيام، ومؤكداً أن «التوقيفات تحصل يومياً في المخيم، لكن الإعلام لا يسلط الأضواء عليها بما يكفي»، ولافتاً إلى أن «أي شيء يحصل في المخيم مراقب».



لقطة

لم تكن مشكلة إسماعيل الشيخ حسن مقتصرة على نشره مقالات أو قيامه بنشاطات عُدّت بنظر الجيش اللبناني «غير مقبولة»، وخصوصاً أن منطقة المخيم صنفت منطقة عسكرية منذ انتهاء الأحداث الأمنية فيه أواخر صيف 2007، بل إن إجراءه مسحاً ميدانياً للمخيم ذلك الحين، ورفضه التعاون بهذا الخصوص مع الفصائل الفلسطينية واللجان الشعبية والأونروا والجيش اللبناني، لدرجة أنه رفض إطلاع أحد على نتيجة عمله، جعل اتهامات كثيرة تطاله، منها أنه «يعمل مع جهات خارجية ويتقاضى منها أموالاً طائلة (تحدث البعض عن مبالغ تصل إلى 100 ألف دولار سنوياً)، وأنه يستغل موقعه في اللجنة الأهلية لإعادة إعمار المخيم من أجل هذا الغرض».
لكن حسن ينفي كل هذه المزاعم، ويؤكد أنه كان يعمل في الهيئة بصفة متطوع، وأنه بعدما «فرطت» الهيئة منذ أشهر وانفض عقدها نتيجة خلافات كبيرة بين أعضائها لم يزر المخيم، بعدما «أدى التداخل بين عملها وعمل اللجان الشعبية والفصائل إلى توجيه انتقادات واسعة للهيئة، التي كانت مستقلة، فاستشعر معظم القوى الموجودة خطرها عليها، فأفشلتها».