في خضمّ الخلاف الدائر على نزاهة المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري، وما رافق ذلك من أزمات سياسية لم تنته بعد، طرح في الآونة الأخيرة إلغاء الاتفافية الموقعة بين المحكمة وحكومة الرئيس فؤاد السنيورة السابقة، وأيضاً امتناع لبنان عن تسديد حصّته البالغة 49% من ميزانية المحكمة، إضافة إلى سحب القضاة اللبنانيين العاملين فيها. هكذا، طُرحت هذه الخطوات في مبادرة للحل والخروج من الأزمة، حيث يكون لبنان قد فضّ ارتباطه بالمحكمة الدولية تماماً. لكن ما لم يتطرق إليه أحد في هذا الإطار، هو وضع المحامين اللبنانيين في مكتب الدفاع الخاص بالمحكمة، الذين يبلغ عددهم 5، من أصل نحو 80 محامياً اختيروا من جنسيات مختلفة. صحيح أن أسماء هؤلاء لم تُعلن بعد رسمياً، غير أن بعض المتابعين تداولوها همساً. أحد هؤلاء المحامين الخمسة هو كارلوس داوود، الذي التقته «الأخبار» وأجرت معه حواراً حول وضع المحامين اللبنانيين في المحكمة الدولية. يؤكد المحامي داوود أن نقابة المحامين في بيروت قد أكّدت له ولزملائه دعمها لهم، بل شجعتهم وأثنت على دورهم، وذلك بعد عدّة لقاءات جمعت بين نقيبة المحامين أمل حداد ورئيس مكتب الدفاع في المحكمة الدولية المحامي فرنسوا رو. يُشار إلى أن نقابة المحامين في لبنان لم يكن لها موقف واضح إزاء المطالبات الداعية إلى وقف التعاون مع المحكمة، علماً أن بعض الفرقاء السياسيين في لبنان قد وضعوا التعاون مع هذه المحكمة في خانة التعاون مع العدو الإسرائيلي. وفي حديث لها مع «الأخبار»، أكّدت نقيبة المحامين في بيروت أمل حدّاد، أن لا أحد من المسؤولين سألها عن هذا الموضوع، لافتة إلى أن «لا موقف لدى النقابة إزاء هذا الأمر، وكذلك لا مشكلة لدينا في عمل المحامين اللبنانيين مع المحكمة الدولية». وأشارت حداد إلى أن النقابة «لم تعيّن محامين من عندها في مكتب الدفاع الخاص بالمحكمة الدولية، بل اختار مكتب الدفاع بعض المحامين ممن تقدموا إليها مباشرة بمبادرات شخصية منهم». لم تشأ حداد الحديث أكثر حول الموضوع في الوقت الحالي، كذلك لم تبدُ متحمسة لإظهار النقابة جهةً متعاونة مع المحكمة، علماً أنه في تصريح لها بتاريخ 2 آذار من العام الماضي، قالت: «إن المحامين اللبنانيين معنيون قبل غيرهم بعمل المحكمة». كلام حداد جاء إثر لقائها برئيس مكتب الدفاع في المحكمة الدولية، المحامي فرنسوا رو، الذي كان في زيارة للبنان، حيث التقى حداد في نقابة المحامين في بيروت. النقيبة حداد، في كلمتها التي ألقتها آنذاك بحضور رو، أعلنت أنه جرى «التشاور في كيفية تأمين المعونة القضائية والاعتبارات الواجب اتباعها لاختيار المحامين لمكتب الدفاع، وذلك وفقاً لمعايير يضعها المكتب. أما العدد المتوفر من المحامين اللبنانيين فليس بالكبير، والمكتب بحاجة إلى المزيد، لذلك ستدعو النقابة المحامين من أصحاب الاختصاص إلى أن يمثلوا للدفاع أمام هذه المحكمة».
صحيح أن عدد المحامين اللبنانيين في مكتب الدفاع ليس كبيراً، لكن يبدو أن فرنسوا رو أراد أن يكون للبنانيين دور بارز في مكتبه، فعيّن نهاية العام الماضي المحامية اللبنانية عليا عون نائباً له، وهي ترأس أيضاً جمعية «القانونيين والمحامين من أجل لبنان»، متخرجة من جامعة القديس يوسف في الحقوق، وقد مارست العمل القانوني في العاصمة الفرنسية باريس لمدّة 15 سنة. وكان لافتاً أنّ اللجنة التي أشرفت على مقابلة المحامين تألّفت من رو نفسه والمحامية اللبنانية إليزابيت زخريا سيوفي، التي تدرّجت وعملت سابقاً في مكتب الوزير الأسبق ناجي البستاني.
أحد المحامين اللبنانيين الخمسة في مكتب الدفاع، المحامي كارلوس داوود، أكّد في حديثه مع «الأخبار» أنه مستعدّ للترافع والدفاع عن أي شخص أو جهة تتهم في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، لكن «باستثناء إسرائيل، لا أدافع عنها إذا تبيّن أنها متهمة، وهذا موقف خاص بي».
ويوضح داوود أن وجود المحامي أثناء المحاكمة أمر الزامي، ويمكن المتهم أن يكلف محامياً خاصاً، لكن يتكفل هو بأتعاب المحامي، أما المحامون المعتمدون في مكتب الدفاع، فأتعابهم محفوظة ضمن ميزانية المحكمة ولا شيء يتكلفه المتهم. سألت «الأخبار» المحامي داوود عما إذا كان مكتب الدفاع قد راعى المحاصصة الطائفية في اختيار المحامين اللبنانيين، فأجاب مبتسماً «كلا، ربما لم يكن هذا متوفراً بسبب نظرة المجتمع اللبناني المتفاوتة تجاه المحكمة». ويوضح داوود أن ترافع المحامي عن المتهم في المحكمة الدولية ليس مشروطاً بحضور المتهم، إذ يمكن أن تجرى المحاكمة غيابياً، لكن مع ذلك سيكون للمتهم محام للدفاع عنه مكلّف من مكتب الدفاع. وعن الأسباب التي دفعته إلى المشاركة في مكتب الدفاع في المحكمة الدولية، يقول المحامي داوود، الذي اختير مع الباقين من بين عدد لا بأس به من المحامين المتقدمين، إن «الطموح المهني هو السبب الأول، ما يعني اكتساب خبرات، وكذلك وضع خبراتنا أمام العالم، وبالتالي هي فرصة لإثبات القدرة والجدارة أمام المحاكم الدولية». ويردف داوود قائلاً: «بصفتي مواطناً، بدايةً، وبلا أدنى شك، أدين كل الجرائم التي حصلت في لبنان، لكن بصفتي محامياً، عندما يكون هناك متهم أو مشتبه فيه أعمل واجباتي كاملة في الدفاع عنه، وذلك لإرساله إلى العدالة الحقيقية في محاكمة شفافة، ودائماً، انطلاقاً من قرينة البراءة». ويوضح المحامي رداً على سؤال عن القوانين التي تنظّم العلاقة بين لبنان والمحكمة، وصلاحية السلطات اللبنانية، فيقول: «ليسن هناك من صلاحية للنقابة ولا لأي من السلطات اللبنانية، للطلب من المحامي اللبناني التراجع أو الانسحاب من لائحة محامي مكتب الدفاع التابع للمحكمة الدولية. نعم، للبعض أن يتمنى على المحامي، لكن لا سلطة جبرية عليه في هذا الموضوع». ويختم المحامي اللبناني بعبارة علقت في باله من لقائه وعدداً من زملائه بنقيبة المحامين في بيروت أمل حداد، حيث قالت لهم رداً على بعض استفساراتهم: ما دمتم تعملون وفق قانون تنظيم المهنة، فـ«أنتم تحت عباءة النقابة».



نقابة المحامين رفضت بروتوكل التعاون

أكّد مسؤول في نقابة المحامين لـ«الأخبار» أن النقابة لم توقّع بروتوكول التعاون الذي عرضه عليها مكتب الدفاع التابع للمحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري، لأنه يخالف قانون تنظيم المهنة في لبنان. وقد أبلغ وزير العدل إبراهيم نجار بهذا الرد في كتاب خاص.
يُشار إلى أنه خلال زيارة رئيس مكتب الدفاع فرنسوا رو للبنان بتاريخ 30 تموز عام 2009، حضر الأخير طاولة مستديرة بالتنسيق مع نقابة المحامين في بيروت، وقال إنّ لغة المرافعة في المحكمة هي الإنكليزية والفرنسية، مستثنياً اللغة العربية. أثار هذا استياء أحد المحامين اللبنانيين، فرد قائلاً: «إنّك تأتي إلى حرم بيت المحامي اللبناني وتتناسى اللغة العربية لغةً للمرافعة، وتتجاهل نضال نقابة المحامين التي تأسّست في عام 1919 قبل قيام دولة لبنان الكبير، وإضراباتها لفرض اللغة العربية لغةً وحيدة للمرافعة، فضلاً عن أنّ المحكمة وإن كانت دولية، إلّا أنّ اسمها يتضمّن اسم لبنان العربي». بعدها علّق رو قائلاً: «من الممكن الطلب إلى رئيس المحكمة الترخيص للمحامي الذي يشاء المرافعة باللغة العربية».