خرج ولم يعد. إنه المستفيد الأوّل من «ويكيليكس» و«الحقيقة ليكس» وكلّ تسريب لوقائع ما قيل وما حصل خلف الأبواب المغلقة.
خرج منذ عشرات السنين ولم يعد. هو المرجع الذي يحدّد المصدر الصادق ويقيس صدقية المصدر. هو الذي يبعث الأمل ويسهم في تصويب العلاقة الملتوية بين الناس والدولة، ويساعد في تصحيح الخلل. فهو الذي يعيد تنظيم المؤسسات ويعيد ترتيب آلية العمل. هو الذي يكشف الحقيقة ويضع الجميع أمام مسؤولياتهم.
لا يرضخ لأحد ولا يتساهل مع أحد. لا يخضع إلّا لما يُخضِع الناس به. ولا يشفع أو يتغاضى أو يثأر من أحد. لا يتعاطى السياسة ولا هو ضحية إدمان الأحقاد الطائفية والذهبية والمناطقية.
خرج ولم يعد. وبما أنه المستفيد الأوّل من «ويكيليكس» فإن المستفيدون الأول من تغييبه هم نجوم «ويكيليكس».
يقرأون أسرار ذكرياتهم في الجريدة. ينفون. يستنكرون. ويتصلون بجميع أصدقائهم ليتأكدوا من أنه خرج. خرج ولن يعود يوماً ليلتقي بهم... خرج مع آلاف المفقودين منذ الحرب ولم يعد، فأصبح الكلام رخيصاً وباتت حجج الخيانة مقنعة وطغى التخلّف على الجمهورية وانهارت الدولة.
خرج ولم يعد، فصارت العدالة سلعة مستوردة وأصبح القضاء سوبرماركت والشرطة مطعماً للوجبات السريعة. خرج، فهبط الهيكل على رؤوس أهله. هرب من هرب، لكن بدل إعادة بناء الهيكل صنع الناجون من الحرب كوخاً من قصب في حفرة كسّارة ... ورفعوا عليها العلم.
في صفحة الوفيات والإعلانات المبوّبة صورة فيها مجهر وميزان ومطرقة خشبية ونسخة من الدستور. نقرأ تحت الصورة: «خرج ولم يعد»...
لا جريدة تُعيده ولا جريدة تحييه، بل جريدة تفتّش عنه... تناديه بأعلى صوت. تستدعيه ليكون أكثر من حبر على ورق: إنه نظام المساءلة والمحاسبة.