معاناة المحكومات في السجون اللبنانية لا تقتصر على منعهن من الحرية لذنب اقترفته أيديهن، فالمأساة التي يقاسينها هؤلاء تكاد لا تقارن من حيث قساوتها بالحكم القضائي النازل بحقهن. الصحة هي أغلى ما يملكه الإنسان في هذه الحياة، لكنها تكاد تكون ترفاً للّواتي صرن سجينات. فالأدوية غير متوافرة خلف القضبان، وبعض الأمراض المعدية تنتشر ولا غُرف لعزل المريضات. الملابس في السجن من الكماليات، والمحكومات يشكون من قلّتها وتمزّق الموجود منها على أجسادهن، إلا إذا تكرّمت إحداهن وجادت ببعض ملابسها لكساء المحتاجة بينهن. أما الطعام، فصنفٌ واحد ولا إشراف طبياً عليه. هذه حال العازبات أو اللواتي ليس لديهن أطفال، لكنها تبقى أفضل بأشواط من حال اللواتي لديهن أطفال، إذ لا معاينة طبية للمولودين أو حتى متابعة صحية للمرضى منهم.المقام لا يتّسع لذكر جميع المشاكل التي تقضّ مضاجع القيمين على سجون النساء في لبنان. ورغم ذلك، رفعت أربع سيدات، ترأس كل منهن إدارة سجن نساء، الصوت عالياً لتُسمع من بيده القرار، ما ينقص السجينات النزيلات لديها من حاجات. لقد تحدّثت كل واحدة منهن فأسهبت في الشرح رغم إيجازها. كلماتهن كانت كفيلة بنقل الصورة المجرّدة لحياة هؤلاء. السيدات الرئيسات روين معاناة يومية يشهدنها لتأمين أبسط مقوّمات العيش لهؤلاء. حكت إحداهن عن نقص في الرعاية الصحية وعن نوعية الطعام الموحّد، فيما أشارت ثانية إلى حاجة السجينات إلى الملابس، وتحدثت أخرى عن ضيق الأمكنة لديها واكتظاظها فوق طاقتها بعدد كبير من السجينات، مشيرةً إلى أن 18سجينة يُسجنّ في غرفة واحدة. تنام ثمانٍ منهن على أسرّة، أما الباقيات، فيفترشن الأرض.
كانت قد أُلقيت بعد الافتتاح كلمة لجمعية دار الأمل، تلتها هدى القرى متحدثة عن ضرورة توفير الرعاية الصحية للسجينات التي تنعكس على أداء إدارة السجن وأوضاع السجن عامة. وشرحت القرى برنامج ورشة العمل الذي سيناقَش للخلوص إلى توصيات عن كيفية النهوض بصحة النساء السجينات في لبنان. كذلك كانت كلمة لممثلة جمعية دياكونيا في لبنان، سمر اليسير، التي ذكّرت بمشروع تأهيل وإعادة اندماج السجينات في لبنان القائم من عام 2000 بالمشاركة مع عدد من الجمعيات الناشطة في هذا المجال. وتحدّثت عن مسألة تطوير السجون ومتابعتها في هذا المجال لتنسج مع جميع الاحتياجات الصحية والإنجابية والنفسية الأساسية للنساء في السجون، كما ألقى العميد الطبيب شربل مطر كلمة وزير الداخلية زياد بارود، التي ذكر فيها أنهم بصدد اعتماد هيكلية جديدة للخدمات الصحية في السجون منفصلة عن تلك العائدة إلى عناصر قوى الأمن الداخلي، بهدف تحسين مستوى الخدمات لتصبح موازية لتلك التي يحصل عليها سائر أفراد المجتمع. وتحدث العميد مطر عن اعتماد برامج وقائية وإرشادية لكافة فئات السجناء، وتحديداً للسجينات، نظراً إلى خصوصية الحوامل منهن ومواليدهن.
إذاً، «النهوض بصحة النساء السجينات في لبنان» كان العنوان العريض لموضوع النقاش المطروح على الطاولة المستديرة، الذي دار لنحو خمس ساعات في فندق الهوليداي إن في فردان، بحضور ضباط وممثلين عن جمعيات أهلية ومحامين وناشطين في مجال حقوق الإنسان، حضروا بناءً على دعوة من جمعيات دار الأمل والحركة الاجتماعية والتجمع النسائي الديموقراطي اللبناني بالشراكة مع دياكونيا والتنسيق مع مصلحة السجون في وزارة الداخلية. وقد تُسهم هذه الطاولة في وضع لبنة على طريق تطوير واقع سجون النساء لناحية احترام الحق في الصحة وفق المعايير النموذجية الدولية بما يكفل تطبيق حقوق الإنسان.
يذكر أن تنفيذ هذه الورشة يأتي في الوقت الذي تُنقَل فيه إدارة السجون من وزارة الداخلية إلى وزارة العدل وفق الخطة الخمسية التي تنتهي عام 2012.



لقطة

انطلق المجتمعون من خصوصية المرأة كسجينة لسرد عدد من التوصيات التي قُسّمت بين عام وخاص. أبرز هذه التوصيات، تمثّلت في طلب تحديث قانون السجون اللبناني ليلبي الاحتياجات الخاصة للنساء، إضافةً إلى تحسين السياسات والممارسات والقوانين والأنظمة لتراعي احتياجات النساء الفعلية والعملية. كذلك أوصت الطاولة المستديرة بإجراء فحوص صحية أوّلية وفحوص طبية عند دخول السجن، فضلاً عن تفعيل آلية تطبيق مراقبة القوانين التي تحدد احتياجات النظافة لدى النساء (ملابس داخلية وفوط صحية ومستحضرات تنظيف)، كما أوصت بتحسين ظروف الحياة اليومية، وطلبت تعديل القانون المتعلق بالحمل والولادة لدى السجينة، فضلاً عن تحديث أحكام القانون المتعلق بإقامة الرضّع بعد الولادة. وكان هناك توصيات تتعلق بمنح الحق في إعفاء خاص وبإقرار أحكام مخصصة للسجينات ذوات الإعاقات النفسية والجسدية كالتسهيلات البيئية لذوي الإعاقات الجسدية، فضلاً عن توصيات تتعلق بالتعليم وإعادة التأهيل.