يبدو أن بعض القيّمين على المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي مصرّون على استمرار التخلّف الذي يميّز تصرّفاتهم، وخصوصاً لجهة انتحال صفات لا ينصّ عليها القانون. فإضافة إلى الفساد المنتشر في معظم الوحدات والمخافر إلى حدّ يستحيل على أيّ جهاز تفتيش إحصاءه لكثرة شكاوى المواطنين، يعدّ بعض الضباط أنفسهم حكّاماً يتمتعون بصلاحيات استبدادية تتيح لهم إصدار الأحكام المطلقة بحقّ المشتبه فيهم، عبر تعميم نتائج التحقيقات الأوّلية. ويرفض هؤلاء، على ما يبدو، التسليم بأن وظيفتهم تقتصر على التنفيذ لا المقاضاة والتشريع، وعليهم أن ينفّذوا التوجيهات الصادرة عن السلطة السياسية التي يفترض أن يخضعوا لها، وعلى القضاء المختصّ أن يشرف على التحقيقات التي يجرونها بصفتهم ضابطة عدلية. وحده القضاء يقرّر الأخذ بنتائج التحقيق أو عدمه، لا قوى الأمن. لكن بعد تعميم المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، يوم أول من أمس، بياناً تضمّن اعترافات مشتبه فيه بالتعامل مع العدو الإسرائيلي، عمّمت أمس المديرية «اعترافات» مشتبه فيه بجريمة قتل. وسمحت المديرية لنفسها بنشر معلومات يفترض أن تبقى سرّية إلى حين صدور القرار الاتهامي عن جهة قضائية، إذ ورد في بيان صدر عنها أن موقوفاً لديها «اعترف بارتكابه الجريمة، وأنه كان على علاقة بالمغدورة منذ سنتين، وقد أخبرته بأنها حامل، وكانت تهدّده بإعلام ذويه بالأمر، فأقدم على شنقها من دون مقاومة، ظناً منها أنه يمازحها». إن استمرار تعميم نتائج التحقيقات الأوّلية قبل صدور قرار قضائي بشأنها يدلّ على أن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي مقتنعة بأنها تتمتّع بسلطة الحسم في القضايا الجنائية، ومقتنعة بالتالي بمخالفة القانون. قد يكون بعض الضباط قد استغلّوا حاجة المواطنين الماسّة إلى الأمن والاستقرار ليتصرّفوا كسلطويين يكادون يمسحون جزماتهم العسكرية بالنصوص القانونية والأصول العدلية وحقوق الناس وكرامتهم. وقد يدّعي بعض هؤلاء الضباط، كما ادّعوا في السابق، أن هذا المقال جزء من حملة لتشويه سمعة قوى الأمن. لكن أليس من يصرّ على استمرار تجاوز القانون والأصول هو من يشوّه سمعته أمام الناس؟ وفي المناسبة، بما أن قوى الأمن ترى أن من حقّها نشر نتائج التحقيقات الأوّلية قبل صدور القرارات القضائية، فلماذا لا تنشر نتائج التحقيقات التي أجرتها «شعبة» المعلومات في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري؟ أو نتائج التحقيقات التي أجرتها «الشعبة» في أحداث مخيم نهر البارد؟ هل تذكرون كلام وزير الداخلية يومها ومن كان إلى جانبه عند الحديث عن ضلوع الاستخبارات السورية فيها؟ أليس من الأفضل ترك الحسم في القضايا العدلية إلى السلطات القضائية المختصّة؟