تُجمع منطقة الزهراني على أن شرارة الانتفاضة على منع البناء انطلقت من حيّ يارين الجديدة الواقعة في خراج بلدة البيسارية. أمّا في أسباب انطلاقتها، فقبل عشرة أيام، شرع نحو أربعة أشخاص من سكان يارين بالبناء في المشاع تحت جنح الظلام، من دون نيل ترخيص رسمي. الورشة التي شملت زيادة سطح إضافي أو غرف إلى منازلهم، كانت تحصل بهدوء «لأنهم كانوا يحصلون على تغطية من القوى الأمنية، بناءً على وساطة من قوى سياسية نافذة يتبعون لها في صيدا بحسب حكمت الباي، أحد الأهالي. معادلة «ناس بسمنة وناس بزيت» لم تُرض الأهالي الذين تعاملوا بالمثل وشرعوا بالبناء، حتى تحول الحي إلى ورشة بناء ضخمة. من هنا، امتعض سكان جاراتها الذين شعروا بأن نظرية السمنة والزيت تنطبق عليهم. انتقلت ورش البناء إلى مشاع البيسارية تماثلاً مع خراجها، حتى غدا هو الآخر غابة إسمنت تكبر كل ساعة. في غضون ساعات، وابتداءً من مساء السبت الفائت، تحوّل البناؤون والعمال السوريون إلى الرقم الصعب في البيسارية وخراجها بعدما ظلّوا عاطلين من العمل لأشهر عدة منذ نفاذ قرار المنع. الكل يتسابق إلى حجز دوره لدى صاحب ورشة البناء للاستفادة من الوقت رغم أن معظم الناس لا يملكون المال الكافي للشروع بالبناء، إذ لجأوا إلى الاستدانة بدلاً من تضييع الفرصة.
لكن كرة البناء المخالف تدحرجت إلى سائر القرى المحيطة، حتى خرجت الأمور عن السيطرة. ورش البناء تستعر في الليل والنهار في تفاحتا وقعقعية الصنوبر والسكسكية والصرفند وعدلون وسائر بلدات الزهراني. وإذ كانت القوى الأمنية تكتفي بالتحذير والإنذار والاجتماع بالأهالي لحل الأمور برويّة، في الأيام الأولى للانتفاضة على قرار المنع، شمّرت عن سواعدها ونزلت إلى الميدان ونصبت حواجز عدة عند مداخل يارين والبيسارية وعلى الطريق الساحلية في منطقة الزهراني لتوقيف الشاحنات والآليات التي تنقل مواد البناء. وهو ما حدا الناس على سلوك طرق جانبية لتمريرها في الليل بعيداً عن الرقابة.
في الخطوة التالية، دخلت دوريات عدّة عصر الجمعة الفائت إلى يارين في محاولة لقمع المخالفات من دون أن تنجز شيئاً فعلياً. كرّرت المحاولة في البيسارية في اليومين التاليين مستعينة بفرقة من الفهود ودورية من الجيش اللبناني. أيضاً لم تتوقف ورش البناء.. إلى أن اتخذ القرار بتوقيف الورش بالقوة وهدم ما أُنجز منها. القرار قوبل بتجمهر الأهالي أمس وقبل أمس على مداخل يارين والبيسارية وإشعال الإطارات لمنع وصول الدرك إلى المشاعات. وتطوّرت المواجهة مساء أمس في يارين.
عدم امتثال الأهالي لمطلب القوى الأمنية دفعها إلى اقتحام البلدة بمؤازرة الجيش. الصد وإحراق الإطارات، زادا من حدّة الموقف الذي تطور إلى هجوم عدد من العناصر الأمنية على بعض الأهالي الذين ضربوا بأعقاب البنادق، بحسب شهود عيان. حتى أن المشهد تحول في بعض أنحاء الحي إلى كرّ وفرّ بين عدد من الشبان والقوى الأمنية التي حاولت اعتقالهم. إصرار الدرك على اقتحام الحي وهدم المباني المشيّدة حديثاً من جهة، ومقاومة الأهالي من جهة أخرى، دفع القوى الأمنية إلى إقفال مدخل الحي ومنع الدخول والخروج منه وإليه وتطويقه واعتقال عدد من الأهالي.
أقبل الليل على يارين فيما الأهالي معتصمون في الساحة وباحة المدرسة رفضاً لاقتحام الحي. أما القوى الأمنية، فقد تمركزت عند مدخله لمنع الشاحنات التي تنقل مواد البناء. وهي كانت قد اعتقلت ثلاثة عشر شخصاً من يارين ومن عمال البناء السوريين، لضبطهم بجرم المخالفة.
وإذ نامت منطقة الزهراني على حذر بعد المواجهات مع القوى الأمنية، أملوا أن يستفيقوا على حل جذري لرخص البناء يقطع الطريق أمام المخالفين. ولم يتوصل الاجتماع الأمني والقضائي الذي عقد في سرايا صيدا مساء أمس إلى تلك النتيجة المنشودة شعبياً. فقد اجتمع كل من النائب العام الاستئنافي في الجنوب القاضي سميح الحاج وقائد منطقة الجنوب الإقليمية في قوى الأمن الداخلي العميد منذر الأيوبي وقائد سرية درك صيدا العميد فادي سلمان، وعرضوا «ظروف وملابسات إقدام الأهالي في يارين على الاحتجاج وقطع الطريق المؤدية إلى البلدة بالإطارات المشتعلة والعوائق للسماح لهم بترميم منازلهم القائمة على المشاعات» بحسب بيان صدر عن الاجتماع. وإذ بُحث أيضاً في «الواقعين الاجتماعي والأمني في الحي والقرى المحيطة والصعوبات التي تعترض عمل قطعات قوى الأمن الداخلي»، أعلن الأيوبي «التشدد في قمع الاعتداءات على المشاعات والأملاك العامة بصرامة، ومنع تفشّي هذه الظاهرة وتسيير دوريات دائمة في المنطقة، رغم الإمكانات المتواضعة، بالتنسيق مع السلطة القضائية وتنظيم محاضر عدلية بالمخالفين والمخالفات المرتكبة». لكن الخطوة التي لم يتقرر تنفيذها هي ما كان قد أشيع عن هدم الأسقف المخالفة.



مشاعات البيسارية

يجمع حي يارين عائلات هُجّرت من بلدة يارين الحدودية عام 1977 ومن القرى المجاورة إثر مجزرة ارتكبها الجيش الاسرائيلي في البلدة استشهد فيها 24 شخصاً طُردوا من القرية فحلّوا في أحد مشاعات بلدة البيسارية تدريجاً وعمّروا بيوتاً لهم بمساعدة مجلس الجنوب. ولأنهم لم يستطيعوا العودة إلى مسقط رأسهم إثر التحرير، طالبوا بإنصافهم للسماح لهم بالبناء لتلبية حاجاتهم المطردة وترميم الأضرار اللاحقة بالحي جرّاء عدوان تموز. وممّا ورد في بيان اعتصامهم ضد قمع القوى الأمنية: «إننا نعيش في ظروف صعبة، إذ لم يُعوّض علينا ولم نعد إلى قُرانا التي هُجّرنا منها بسبب الاعتداءات الإسرائيلية التي خلّفت مجازر عديدة، وبعد التحرير لم نُنصف ولم نُعط حقوقنا المشروعة من تعويضات وبناء وحدات سكنية».




لقطة

يعود قرار منع منح رخص بناء وحدات سكنية بمساحة 120 متراً إلى شهر أيلول من عام 2010. وذلك بعد قرارات سابقة منعت ترميم الأبنية المتضررة من العدوان في المشاعات من دون كشف من التنظيم المدني.
وبحسب مصدر أمني مطّلع، فإن قرار السماع بترميم الأضرار وإعادة تسيير صلاحية البلديات بإعطاء رخص بناء، سيستأنف إثر تأليف حكومة جديدة.
حتى ذلك الحين، ستُحوّل محاضر الضبط التي حرّرت بحق المخالفين إلى النيابة العامة الاستئنافية لإجراء المقتضى القانوني بحق أصحاب المخالفات والتي قد تصل إلى الغرامة أو السجن أو حتى هدم البناء المخالف.