فرحة إعلان إنهاء التمرّد في سجن رومية المركزي لم تُعمّر طويلاً. فالسجناء الغاضبون جدّدوا تمرّدهم بعد ساعات قليلة على فضّ احتجاجهم. الروايات المسوقة في هذا الاتجاه تعدّدت، لكنّها تكاد تُجمع على أنّ ما أعاد تفجير غضب السجناء كان استفزازٌ قام به ضابط في قوى الأمن الداخلي. فالسجناء الذين تلقّوا وعداً من قائد الدرك العميد صلاح جبران بأنهم لن يتعرّضوا لأي سوء، كانوا يعيشون لحظات ترقّب خوفاً من أي أعمال انتقامية قد تطالهم. ترقّب السجناء لم يطل كثيراً، فقد ذكر سجناء وضباط أنّ الرائد رامي رحّال، الذي لم يطق صبراً ليشفي غليله، أراد تأديب السجناء. وبحسب شهود عيان من السجن المركزي، فإن الرائد رحّال حضر برفقة عدد من العناصر، حاملين هراوات، وأرادوا الدخول إلى المبنى «د». المشهد المنقول أثار حفيظة السجناء الذين علت صرخاتهم. أغلق بعضهم الأبواب لتبدأ الاتصالات. وصل الخبر إلى عدد من المباني أن فرقة من الفهود ستدخل المبنى للانتقام من السجناء المتمردين. انتشر الخبر سريعاً بين السجناء في ثلاثة مبان: «د» ، «و» ومبنى الأحداث. تمكّن سجناء من أخذ ثلاثة عناصر رهائن لديهم، وهم العسكريان (أ. ز.) و (ب. د.)، إضافة إلى الرقيب (ر. ص.).مشهد السبت والأحد أُعيد تكراره أمس. وصلت تعزيزات أمنية إلى السجن المركزي. حضر قائد الدرك العميد صلاح جبران الذي بادر فور وصوله إلى فصل الضابطين الرائد وليد حرفوش والرائد رامي رحّال، باعتبار أنهما مسؤولان مباشران عمّا حصل. الفصل الذي قام به العميد جبران، وإن كان يُفترض أن يأتي سابقاً، أسهم في التخفيف من الاحتقان بين السجناء الذين كانوا قد ظنّوا أن أبسط مطالبهم لم تُنفّذ. فقد نقل عدد من السجناء لـ«الأخبار» اعتقادهم بأنهم وقعوا ضحية خديعة. فهم أنهوا تمرّدهم من دون أن يحصلوا على غير الوعود التي لا تغني ولا تُسمن من جوع. بدأت صيحات «الله أكبر» ترتفع في أروقة السجن. رُفعت المطالب السابقة نفسها. الحناجر صدحت بالهتافات: «عفو عام عفو عام من رئيس الجمهورية». تولّى سجناء تنظيم الصفوف. أراد بعضهم خلع الأبواب، فمنعهم البعض الآخر. الخلاصة أنهم كانوا متفقين على الثورة، لكنهم كانوا مختلفين على الكيفية. لديهم مطالب يخافون ضياعها. اتصالات السجناء كانت تنهمر مؤكدة عدم التراجع حتى الحصول على المطلب الأوحد وهو العفو العام.
في المقابل، تولّى عملية التفاوض قائد الدرك العميد صلاح جبران والعقيد مروان سليلاتي والأب مروان غانم، الذين استمعوا إلى مطالب السجناء، طالبين إليهم تأليف لجنة لنقل مطالبهم. ووعد قائد الدرك السجناء بأنه سينقل مطالبهم إلى رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي سيلتقيه اليوم.
بقيت المفاوضات قائمة حتى ساعات متأخرة من مساء أمس. الأجواء السائدة كانت إيجابية وتُبشّر بخاتمة سعيدة، باستثناء بعض المعلومات الواردة من سجناء في المبنى «د» في سجن رومية المركزي، الذين كانوا يؤكدون أنهم مستمرّون بتمرّدهم حتى تحقيق مطالبهم.
فور إعلان تجدّد التمرّد في سجن رومية المركزي، نزل متظاهرون إلى الطرقات وقطعوها احتجاجاً، في عدد من المناطق. فقد قطع المتظاهرون طريق بعلبك ـــــ الشراونة المؤدية من التل الأبيض عند المدخل الشمالي للمدينة إلى الوسط التجاري، وذلك في موقعين، مقابل محطة «حرب» ومستشفى «الريان»، وسط مظاهر مسلحة، ما أدى إلى توقف حركة السير نهائياً في الاتجاهين. وفي طرابلس، نزل العشرات من أهالي الموقوفين الإسلاميين في سجن رومية، وخصوصاً من لم تبتّ ملفاتهم، وقطعوا الطريق الدولية في منطقة البداوي. وكانت دعوة قد وُجّهت من مسجد وادي النحلة في البداوي إلى الأهالي لقطع الطريق، للضغط من أجل بتّ ملفات الموقوفين. كذلك قطع عددٌ من أهالي الموقوفين في سجن رومية طريق المطار بالإطارات المشتعلة في الاتجاهين أمام «مستشفى الرسول الأعظم»، احتجاجاً على توقيف أبنائهم من دون محاكمة. وقد عملت قوة من الجيش على إعادة فتح الطريق. وبعد ذلك، انتقل أهالي السجناء من طريق المطار إلى أوتوستراد برج البراجنة ـــــ الأوزاعي، وأحرقوا الإطارات، وقطعوا الطريق المؤدية من الأوزاعي إلى خلدة.
النار لا تزال تحت الرماد. إطفاؤها رهن الخطوات المسؤولة، المفترض اتّخاذها لمنع تجدد تمرد السجناء الذين يشكّون في أن يكون ما جرى مجرّد حقن مورفين لتهدئتهم. تمرّد أمس شاءت الأقدار أن يمر من دون أن تسفك قطرة دم. فهل يُسمح بأن يكون الآتي أعظم؟



على قدر استطاعة الوزير

انفجار سجن رومية لم يكن وليد اللحظة، بل نتيجة تراكمات سنين عديدة. فالمشاكل المتراكمة التي أدّت إلى الانفجار، والتي لا يتحمّل مسؤوليتها وزير الداخلية حكماً، لا يُمكن أن يُطالب بمعالجة تداعياتها منفرداً، بل تقع على كاهل الوزراء مجتمعين. ورغم فقدان ما يُمكن إعطاؤه للسجناء باستثناء الوعود، اختير الحوار سبيلاً لإنهاء التمرّد المتجدّد. فتوجيهات الوزير بارود للقوى الأمنية أكّدت عدم استعمال العنف، حرصاً على السجناء. ولو أن قرار الاقتحام اتُّخذ، لكان أنهى التمرّد بساعاتٍ قليلة. الإمكانيات معدومة، لكن الجهود المبذولة وصلت إلى حدّها الأقصى، بحسب أوساط وزارة الداخلية. فوزير الداخلية المصرّف للأعمال، الذي أكّد أحقية مطالب السجناء، لا يملك الوسيلة لتنفيذ أيّ منها. فللعفو العام مجلس وزراء، ولميزانية السجون وزارتا مال وعدل.



لقطة

عقد وزير العدل المصرّف للأعمال إبراهيم نجار اجتماعاً مع المدّعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا، في مكتبه في وزارة العدل، وتباحثا في أوضاع سجن رومية لتحديد المعوقات وإقرار الحلول. وأكّد نجّار «أن وزارة العدل تضع إمكانياتها في تصرف القيّمين على مرفق السجون»، باعتبار أن الإشراف عليه سينتقل إليها. وصدر بيان عن الوزارة أكّد مطالب السجناء، وطالب المعنيين بتحمّل مسؤولياتهم. وتمنّى على مجلس النواب إحالة مشروع تعديل المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية على الهيئة العامة لمجلس النواب لإقراره، فضلاً عن دعوة السلطات الإجرائية إلى توفير الأموال اللازمة لبناء سجون في كل المحافظات اللبنانية. كذلك جدد البيان الدعوة إلى القضاة للإسراع في بتّ الأحكام، مؤكداً أهمية سوق الموقوفين إلى المحاكم في الوقت المطلوب.