يتناقل السجناء في «رومية» رواية حصلت قبل سنوات. طلب سجين رؤية الضابط المسؤول ليشكو له معاناته. لم يتح له ذلك إلا بعد أن أحدث ضجيجاً. أثناء وقوفه أمام الضابط، أخرج شفرة من فمه وقطع بها أذنه ورماها على طاولة المكتب. لم يصرخ ألماً، بل صرخ قائلاً للضابط: «يبدو أنك لا تسمع، خذ هذه أذني ربما تسمع بها مطالبنا». هكذا، يمكن هذه الرواية أن تلخّص أسباب التمرّد الذي يشهده سجن رومية.
قبل 8 أيام، وقفت سيدة عجوز، أم أحد السجناء، أمام قصر العدل في بيروت وأطلقت صرخة. قالت: «يا حكّام لبنان، استفيقوا واتّعظوا ممن سبقوكم إلى المحاسبة على أيدي من ثاروا على الطغيان». وقفت تلك الأم مع نحو 100 أم أخرى وأطلقن صرخات الوجع في اعتصام رمزي، وذلك قبل أيام على اندلاع التمرّد الذي تشهده السجون هذه الأيام.
ربما لم يستمع الحكّام إلى تلك الصرخات، أو ربما سمعوها ولم يكترثوا، أو ربما اكترثوا ولم يتحركوا، أو ربما تحركوا ولكنهم لم يفعلوا شيئاً... فانفجرت بهم.
يوم أمس، قررت والدة حدث سجين، لا يتجاوز عمره 15 عاماً، كانت تشارك في الاحتجاج على أوضاع السجون في منطقة البقاع، أن تفعل شيئاً مدوّياً. ولأنها أم، ولأن الأم تفعل أي شيء من أجل ولدها، أشعلت النار في جسدها. لكنها لم تفارق الحياة، فنقلت إلى أحد المستشفيات لتلقّي العلاج.
ماذا تريد تلك الأمهات من الدولة اللبنانية؟ بل ماذا تريد كل عائلات السجناء في لبنان؟ لماذا نزل هؤلاء إلى الشوارع وقطعوا الطرقات خلال اليومين الماضيين؟ «كاذب من يدّعي أنه لا يعلم ماذا نريد». هكذا ردّت والدة السجين إبراهيم إبراهيم على هذه الأسئلة. وفي حديث لها مع «الأخبار» قالت: «نريد عفواً عاماً عن السجناء، وإلى حين تحقق ذلك، أريد أن ينال ولدي عناية طبية. فهو يعاني الصفيرة في الكبد. لقد كان مدمناً على المخدرات، وكنت أعالجه على نفقتي الخاصة، إلى أن أوقف وسُجن. كان يبدي تعاوناً مع العلاج، ولكن ها هو اليوم غارق في السجن المليء بالمخدرات. ضاع ابني مني، عليهم أن يعالجوه، فهو مريض وليس مجرماً».
ثمة سجين موقوف اليوم في «رومية» اسمه ناصر صبرا. منذ أسابيع ينشط نجله نور لنشر صور توثّق مشهد جسد والده «المهترئ». أصاب ناصر مرض جلدي في السجن، لكنه منذ 8 أشهر لم يتلق أيّ علاج يُذكر. يقول نور إنه تقدّم بأربعة طلبات إخلاء سبيل مشروط لوالده، بغية معالجته فقط، لكن مع ذلك رفض القضاء كل هذه الطلبات. أكثر من ذلك، يريد الشاب أن يدخل الدواء اللازم إلى والده، ولكن لا يسمح له. من جهته، يقول شقيق عبد الله صبرا، شقيق الوالد السجين، إنه كما كل الأهالي يريد «عفواً عاماً. وإلى حين ذلك، لا بد من معالجة أخي. أصبح مصاباً بالغنغرينا، ومع ذلك لا يوفرون له العلاج اللازم. اليوم نحن سلميّون في تحرّكنا، نريد حقوقنا فقط، حقوق الإنسان».
سجين آخر اسمه ذو الفقار وهبي. تسلط والدته الضوء، في سياق حديثها عن معاناة ولدها، على مشكلة «جوهرية». مشكلة يرى فيها البعض أحد أهم أسباب الظلم الحاصل في السجون، هي مشكلة التأخير في المحاكمات والتوقيف الاحتياطي «التعسّفي». تقول الوالدة، وهي تصرّ على تدوين كل كلمة، إن ولدها ما زال بلا محاكمة منذ سنتين ونصف سنة. فخلال كل هذه المدّة، لم يحضر أي جلسة أمام القضاء: «أين العدل في ذلك؟». يُشار إلى أن مشكلة الاكتظاظ الشديد الذي يشهده سجن رومية، مردّها إلى العدد الكبير من الموقوفين على ذمة التحقيق، الذين إن سوّيت أمورهم وحوكموا ينخفض عددهم بنسبة كبيرة. طبعاً، جواب «السلطة» القضائية على هذه المشكلة بات معروفاً: «نعاني من مشكلة في عدد القضاة». اللافت هنا أن ثمة تصريح لوزير العدل في حكومة تصريف الأعمال، إبراهيم نجّار، يقول فيه: «إن التأخر في إحقاق العدالة هو بمثابة عدم إحقاق العدالة».
على كل حال، يمكن تلخيص مطالب السجناء وذويهم في لبنان بالآتي: عفو عام، تعجيل المحاكمات ووقف التأجيل غير المبرر، احتساب مدّة التوقيف الاحتياطي مضاعفة، الإسراع في إقرار قانون جعل السنة السجنية 9 أشهر بدل 12 شهراً، الإسراع في إقرار التعديل على المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تحدد مهل التوقيف، عدم الدمج بين عقوبة السجن والغرامة المادية والحرمان من الحقوق المدنية، الرعاية الصحية اللازمة، إلغاء الحصول على إذن من النيابة العامة لمواجهة الموقوف والاكتفاء بتدوين أسماء الداخلين حسب هوياتهم.