تتراكم مراسلات الملفات القضائية يوماً بعد يوم، في أدراج قلم المحكمة المنفردة في رأس بعلبك، وذلك بعدما توقفت شركة «ليبان بوست» عن تسلم بريد الأحكام والتبليغات الصادرة عن القاضي المنفرد الناظر في القضايا المدنيّة والجزائية ضمن نطاق عمل هذه المحكمة وتسليمه. هكذا ينتظر العشرات من أصحاب الدعاوى في منطقة رأس بعلبك بت قضاياهم العالقة منذ أكثر من أربعة أشهر. الأسباب كما يشرحها لـ«الأخبار» المحامي جاد رزق، تعود الى فسخ العقد بين شركة «ليبان بوست»، والشخص الذي كان مكلفاً منها بتأمين نقل البريد من المحكمة المنفردة في رأس بعلبك وإليها.
هذا الأمر أدى الى عرقلة أعمال القاضي المنفرد، في بت معظم القضايا المدنيّة والجزائية التي يتطلب النظر فيها تنفيذ أوراق التبليغات ومواعيد الجلسات المتعلقة بأشخاص يقيمون خارج المنطقة في لبنان وبلدان الانتشار، وذلك إما للمثول أمام هذه المحكمة لاستماع دفوعهم وأقوالهم، وبالأخص أولئك المدعى عليهم، أو الاعتراض بالطرق القانونية على خلاصات الأحكام الصادرة بحقهم. في هذا الإطار يلفت رزق إلى أن نسبة المهاجرين تفوق 30 في المئة من أبناء البلدة.
المحامي رزق أشار في حديثه الى أن القاضي المنفرد علي الموسوي كان قد أبلغ أصحاب الشأن من محامين وأصحاب دعاوى، أن المشكلة ليست عنده، وأن عليهم مراجعة القيّمين على شركة «ليبان بوست»، وأضاف رزق أنه لدى مراجعة فرع الشركة في بعلبك، للوقوف على حقيقة ما يجرى، جاء الردّ من أحد الموظفين: «المركز الرئيسي في الشركة أبلغهم بأن قرار التوقف عن تأمين نقل البريد الى المحكمة المنفردة في رأس بعلبك، جاء بعدما تمنعت الدولة عن دفع المستحقات المالية تجاه الشركة، في ما خصّ أجرة الوكيل المعتمد وبدلات تنقله». يكمل رزق بأن الموظف طرح على المراجعين «حلّاً يقضي بتكليف أحد الموظفين في المحكمةإحضار بريدها الى فرع الشركة في بعلبك»، لكن الحل المقترح غير ممكن «لأنه ليس من صلاحيات أي من موظفي قلم هذه المحكمة». ولفت رزق الى أن المسافة بين بلدة رأس بعلبك ومدينة بعلبك تتجاوز 45 كلم، فضلاً عن مصاريف التنقلات ذهاباً وإياباً، التي سيتكبدها هذا الموظف من جيبه الخاص، مع عدم إمكانية قيامه بذلك خلال ساعات الدوام الرسمي.
من جهة ثانية، استغرب رافعو بعض الدعاوى في رأس بعلبك «تغاضي المسؤولين في الدولة عن تأمين أبسط حقوق المواطنين في تحصيل حقوقهم من خلال القضاء»، واصفين ما يجري بهذا الشأن «بالمشكلة المغطاة بقشرة بصلة» التي يمكن معالجتها بـ«شحطة قلم». أصحاب الدعاوى سألوا «من يعنيهم الأمر في الدولة» عن «من يتحمل مسؤولية تأخر بت الملفات القضائية العالقة؟ وهل من واجب المواطن إيجاد الحلول بدلاً من المسؤولين؟ من هي الجهة التي سيلجأ إليها المواطنون لحفظ حقوقهم غير الجهات القضائية المخولة بذلك؟».
علمت «الأخبار» من متابعين أن بعض أهالي رأس بعلبك والقرى المجاورة، كانوا قد طالبوا أكثر من مسؤول بتفعيل عمل مكتب البريد في البلدة، واستحداث فرع لشركة «ليبان بوست» في رأس بعلبك، نظراً لتوفر البناء الذي تملكه وزارة الاتصالات.
يُشار الى أن القاضي المنفرد في رأس بعلبك، الناظر في القضايا المدنيّة والجزائية، يعمل حالياً مع 5 موظفين، في مبنى مؤلف من 3 غرف ومنتفعاتها، تتمتع بمواصفات مقبولة من حيث الشكل والمحتويات المكتبيّة، علماً بأن هذا البناء كان يستخدم مدرسة رسميّة. أما بالنسبة إلى نطاق عمل هذه المحكمة، فهو يشمل بت الدعاوى القضائية المتعلقة بأهالي رأس بعلبك وعدد من البلدات المجاورة.



«شحطة قلم»

استغرب عدد من رافعي الدعاوى القضائية في منطقة رأس بعلبك «تغاضي المسؤولين في الدولة عن توفير أبسط حقوق المواطنين في تحصيل حقوقهم من خلال القضاء»، واصفين ما حصل بشأن فسخ العقد بين «ليبان بوست» والدولة بـ«المشكلة المغطاة بقشرة بصلة، والتي يمكن معالجتها بشحطة قلم».
وفي سياق متصل، يُشار إلى أن القضايا التي لا تحتاج إلا إلى «شحطة قلم» كثيرة في لبنان، في المرفق القضائي وسواه من الإدارات والهيئات الحكومية، ولكن مع ذلك يمكن ملاحظة «جبل» المعاملات المكدّسة على مكاتب المسؤولين والموظفين، وذلك بانتظار «قبض ثمن تسريعها» قبل التوقيع عليها، على حدّ تعبير أحد المتابعين لشؤون الإدارات، وخاصة في القضاء.