قُتل روي عازار وجميل أبو عنة أثناء التمرّد الذي شهده السجن المركزي في رومية الأسبوع الفائت، وسقط عدد من الجرحى، وأحرق الجزء الأكبر من السجن والمركز الطبي والمكتبة والمسرح والمطبخ وعدد من الغرف، ما أدى الى حدوث أضرار كبيرة في أملاك خاصة وعامة. وتعرّض السجناء وحراس السجن لخطر الموت جراء الصدامات والفوضى الأمنية التي أحدثها التمرّد والرشق بالحجارة وبالحديد والقذائف الحارقة والقنابل المسيلة للدموع والصوتية والدخانية والطلقات المطاطية.انتهى التمرّد في السجن، لكن أوجاع عائلتي عازار وأبو عنة لم تنتهِ، ولم يزُل القلق من تكرار الأحداث الأليمة، ولم ينتهِ إصلاح السجن بعد الخراب الهائل الذي لحق به، وما زالت إجراءات المساءلة والمحاسبة في بداياتها. وفي هذا الإطار لا بدّ من إعادة عرض مراسلات متعلّقة بأوضاع السجون قد تساعد على تحديد المسؤوليات بطريقة موضوعية.
أودع وزير الداخلية والبلديات المحامي زياد بارود في 30 كانون الثاني 2009 الأمانة العامة لمجلس الوزراء «تقريراً عن أوضاع السجون» (عدد 202/ص. م.) وذلك تبعاً لأعمال الشغب في سجن القبة (طرابلس) في 25 و26 كانون الثاني (2009). تضمّن التقرير شرحاً لواقع السجون واقتراحات عملية لتحسين أوضاعها. وإضافةً الى «الإسراع في إصدار الأحكام القضائية» والى «معالجة أوضاع السجناء الأجانب المنتهية أحكامهم» اقترح بارود «تركيب بوابات إضافية تعمل بواسطة «الهيدروليك» غير قابلة للخلع، بهدف عزل بعض الأقسام في كلّ من السجن المركزي في رومية وسجن زحلة وسجن القبة»، وتركيب «كاميرات للمراقبة بما يسمح بمراقبة حركة السجن من الداخل»، وطلب «تخصيص مبلغ 500 مليون ليرة لبنانية بصورة عاجلة، يُصرف لتلبية الحاجات الطبية الملحّة ولصيانة المتلزمات الإنسانية الدنيا داخل السجون». وختم بارود تقريره بالفقرة الآتية: «إن عدم اتخاذ التدابير الفورية، وعدم الإيحاء بجدية التعاطي مع الموضوع، وعدم إعطائه الأولوية، قد تؤدي جميعها الى تكرار أعمال الشغب التي قد لا تتمكن القوى الأمنية من تجنّب سقوط ضحايا بنتيجتها.» (صفحة 5).
وفي 11 تشرين الثاني 2010 أودع الوزير بارود وزارة العدل الكتاب (العدد 19449) الذي جاء فيه «أن عدد السجناء في السجن المركزي في رومية أصبح 3740 سجيناً وهو في ازدياد مستمرّ، وهذا الازدحام أكبر من قدرة السجن على التحمّل، وقد فاق الاستيعاب القانوني والقدرات المتوافرة من عديد وعتاد وأصبح يهدّد بالكثير من المشاكل الصحية والأمنية».
أغفل مجلس الوزراء ورئيسه وأمانته العامة صفّارة الإنذار التي أطلقها بارود في كانون الثاني 2009، ولم تُعقد جلسة خاصة للمجلس للبحث في مشاكل السجون وأحوال نحو 5000 إنسان في عهدة الدولة، يعيشون ظروفاً لا تتناسب مع الحدّ الأدنى من المعايير الحقوقية والإنسانية. أُهمل الأمر، ما أدى الى تفاقم المشاكل. وفي كلّ مرّة كان يحصل فيها شغب في السجون كانت وزارة الداخلية تسعى الى الاستعاضة عن الحسم العسكري، الذي يمكن أن يؤدي الى إراقة الدماء، بالتفاوض وتقديم وعود بالإصلاح قد لا تتحقّق بسبب استهتار مجلس الوزراء بهذه القضية الإنسانية. الى أن وقع الانفجار الكبير في السجن المركزي الأسبوع الفائت.
منذ اللحظات الأولى لانطلاق التمرّد طلب بارود من مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية فتح محضر تحقيق. عائلتا عازار وأبو عنة وجميع أقارب وأصدقاء وأحباء روي وجميل والسجناء الآخرين والعسكريين ورجال الدفاع المدني الذين أصيبوا، والضباط والرتباء وعموم الناس بانتظار نتائج التحقيق القضائي.
الشعب يريد المساءلة والمحاسبة كي لا يتكرّر ما جرى، فهل يستجيب القضاء؟