لم يتحوّل السجن المركزي في رومية إلى جحيم إثر تمرّد السجناء مطلع الشهر الجاري، بل قبل ذلك بكثير. فمنذ الحكومة الأولى، بعد مؤتمر الطائف في مطلع تسعينيات القرن الماضي، نشرت مئات التقارير الصادرة عن عشرات الدوائر الرسمية والمؤسسات الحكومية والهيئات الحقوقية والإنسانية، المحلية والدولية والجمعيات غير الحكومية، تصف الوضع المزري والظروف غير الإنسانية لاحتجاز البشر في لبنان. ودقّ ناقوس الخطر ألف مرّة ومرّة، ولم يخرج رئيس جمهورية أو رئيس مجلس وزراء أو وزير واحد يضرب يده على طاولة السرايا مهدّداً «إما الإصلاح أو مواجهة المعترضين عليه!».
فلم يشعر أحدهم بأن عملية إذلال آلاف الناس في عهدة الدولة تستدعي «مَشكَل».
وبالمقابل لطالما استدعت استعراضات البعض بحجّة الحفاظ على مصالح مذاهبهم وطوائفهم وتياراتهم وأحزابهم و«حصصهم» الشخصية والعائلية مشاكل ومصائب واستقالات واعتكافات وحتى تهديداً بخراب البلد.
إن تخصيص مبلغ 7،5 مليارات ليرة عن طريق الهيئة العليا للإغاثة غير كاف لحلّ المشكلة، وقد لا تكون معاقبة الضباط والعسكريين الذين قد يثبت تورطهم في إشعال التمرّد كفيلة بمعالجة المصيبة. أما بناء السجون الجديدة وتحصين البوابات الحديدية فقد لا ينفع في وضع حدّ للموت البطيء خلف القضبان. فلا المال ولا الإجراءات المسلكية والقضائية، ولا مشاريع البناء والتشييد وحدها، تنقذ الدولة مما بات الجميع يعترف بتوصيفه، بعد تسديد المجتمع والدولة كلفة باهظة، بـ«أزمة السجون» في لبنان.
إن معالجة الأزمة تستدعي إنشاء هيئة عليا تتألف من كبار المسؤولين في مؤسسات الدولة ومن قضاة وخبراء في علم العقاب يعملون على نحو جدي، وبحسب جدول زمني مفصّل ومعلن، على تأسيس المؤسسة العقابية في الجمهورية اللبنانية وتجهيزها بالكادر المهني المتخصص وباللوازم
المادية.
ولا بد أن يتبيّن لتلك الهيئة في اجتماعها الأول أن إصلاح السجون هو جزء لا يتجزأ من إصلاح شامل يستدعيه بإلحاح نظام العدالة في لبنان الذي يتألف من ثلاث مراحل، أولاها التحقيق والملاحقة، وهما من مسؤوليات الضابطة العدلية (بإشراف القضاء)، يليها الاتهام والمحاكمة، وهما من مسؤوليات السلطة القضائية المستقلّة، وأخيراً العقاب وإعادة التأهيل حيث لا مؤسسة متخصصة تعنى بهما في لبنان، بل توكل لمؤسسة قوى الأمن الداخلي التي تعاني أصلاً من مشاكل لا تعدّ ولا تحصى.
قبل عرض العناصر التي تعترض انطلاق الإصلاح الشامل لنظام العدالة، يُذكر أن تعذّر الإصلاح قد يقتضي إصدار قانون للعفو العام عن جميع السجناء مهما بلغت أحكامهم، إذ لا يحقّ للدولة حشر الناس في أماكن لا تتناسب أوضاعها مع الحدّ الأدنى للمعايير الإنسانية، ولا يحقّ للدولة التمييز بين السجناء عبر منح البعض منهم صلاحيات استثنائية و«دعوسة» الآخرين،
ولا يجوز تسمية سجناء شواويش يترأسون مافيات تتحكم بحياة السجناء الآخرين، ولا يحقّ للدولة تأخير إحضار السجناء الى المحكمة بحجّة الزحمة، ولا يحقّ للدولة زرب البشر في زنازين تأديبية لا نافذة لها ولا يدخلها الهواء والنور
الطبيعيان، ولا يحقّ لأي موظف في الدولة، مهما علا شأنه، من رئيس الجمهورية الى مجنّد في القوى الأمنية والعسكرية، إذلال الناس وإهانتهم حتى لو كان قد ثبت ارتكاب هؤلاء جرائم
فظيعة.
لكن مع الأسف الشديد، معظم الموظفين في الدولة يمنحون أنفسهم حقّ التصرّف بسلطوية مفرطة تؤدي في السجن إما الى الموت البطيء للمحتجزين أو الى انفجار الآلام، وقد لا يكون الفرق بينهما
كبيراً.
العناصر التي تعترض عملية إصلاح نظام العدالة في لبنان كثيرة، ومنها، إضافة الى الشلل بسبب تأخر تأليف
الحكومة، تراجع العمل المؤسساتي واعتماد تركيبة المحسوبيات والواسطة والمبادرات الفردية، انتشار شبكات الفساد في المجتمع ومنه الى أروقة الدولة وإداراتها والمحاصصة الطائفية والسياسية التي تمنع وصول الأكفاء الى مراكز المسؤولية.
إنها الدولة العاجزة العصيّة على الإصلاح، يموت في عهدتها الناس موتاً بطيئاً إذا لم تكن لديهم «واسطة» تمنحهم عفواً خاصاً «من فوق».
2 تعليق
التعليقات
-
عذرا لحقوق الإنسان 2ان اغلبية المساجين هم من اصحاب السوابق والمكررين واكثر مشاكلهم الإجرامية هي عدم توقهم للعمل بتاتا وامتهانهم لبعض الجرائم المربحة وليس ادل على ذلك الا حضور جلسات محاكم الجنايات والقضاة المنفردون وستلاحظ ان من اخلى سبيله بموضوع شكات بلا رصيد ما ان يخرج بزور اخراج قيد ويستحصل على دفتر شيكات جديد ليمارس هويته وسارق الدراجات والمحفظات نفس الشيئ فمن يحمي الناس والمجتمع منهم؟ سرقة البيوت تتزتيد بشكل غير طبيعي ، سرقة السيارات لا تسأل عن الأعداد لنها تخطت كل المعقول ، توزيع المخدرات علنا ، فماذا لو اخرجنا من هم في السجن لينضم كل منهم الى فريقه السابق؟ انا اعلم انني بردي هذا اكون قد ظلمت فئو من المسجونين او المحومين لا يستهان بها وهي دخلت السجن ظلما او لجريمة غير شنيعة نتيجة اخطأ او اهمال او لضيق حال واتعظت ولن تعود ابدا ابدا الى الإجرام لكن الحقيقة ان اكثرية المسجونين خطيرون جدا ويعرضون امن المجتمع الى خطر كبير اذا ما ابصر النور قانون العفو العام الذي يروج له في هذه الفترة. الترويج لفكرة قانون العفو ليست اصالح حقوق افنسان اذا فعلا تريدون العمل لحقوق الإنسان يمكنكم تشكيل لوبي اعلامي مستعد لحرق اي وزير داخلية و وزير عدل سياسيا يدخل الى هذه الوزارات ولا يصلح السجون عبر المتابعة اليومية ويمكن لأهل السجناء الذي قاموا بثورة في كل المناطق ان يضغطوا على كتلهم النيابية لإصلاح السجون فمن سكر طرقات البقاع بضغط على نوابه ومن احتج في الشمال يضغط على نواب الشمال ... اصلحوا السجون كي لا نصبح كلنا في سجن كبير اذا صدر قانون عفو عام.
-
عذرا لحقوق الإنسان 1قد لا يتقبل احدا كلامي ولكنني اؤمن انه ما كانت الأكترية يوما على حق زالأقلية على باطل ومن هنا فانا اخالف رأيك دكتور عمر ورأي العديد من افراد المجتمع والإعلاميين في مجرد الترويج لفكرة العفو العام التي بدأت تنتشر خاصة مع اطلالة نواب الأمة الفاسدون الذين يحرضون الشعب على طلب العفو العام وكاأنه حقا مكتسبا وهم النواب والوزراء والسياسيين من كل الطياف والألوان المسؤولين مباشرة وغير مباشر عن طريق الإهمال والتقصير وعدم قيامهم بواجباتهم بإيجاد حل لمشكلة السجون. النقطة الأساسية هي العفو العام في حال تعذر الإصلاح، انا اقول لك يا دكتور عمر ولغيرك من كل الإعلاميين انتم تلعبون دور الموجه في المجتمع وهذا الطرح خطير جدا وانا اقول انه في القانون الطبيعي وليس الوضعي كفلسفة قانون اعتبر انه في حالة الضرور يمكن ترجيح حماية مصلحة على حساب مصلحة اخرة وان كانت القاعدة العامة هي حماية كل المصالح والمراكز القانونية بمعنى اذا وصلنا لدرجة استحالة اصلاح وضع السجون تبقى حمايتنا نحن من لم يرتكب الجرائم وعائلاتنا ابدى بالحماية من المساجين عبر اخراجهم بقانون عفو عام لأنني سأقولها بصراحة وانا المدافع دوما عن حقوق الإنسان والسجين.