سُجلت في ضواحي صور وفي البازورية مواجهات بين الأهالي والقوى الأمنية على خلفية محاولة العسكر قمع مخالفات البناء وتوقيف الورش وحجز أصحابها، الأمر الذي دفع بالمستهدَفين وأقاربهم الى مطاردة قوى الأمن برشق الحجارة وإشعال الإطارات. فقد جن جنون عدد من الأشخاص عصر أمس في البازورية لدى دخول دورية لقوى الأمن مشاع البلدة لقمع محاولات التعدي عليها والبناء فيها. فكان مصير الدورية الرشق بالحجارة وقطع الطرق أمامها بالإطارات المشتعلة. فيما كان آمر فصيلة صور الرائد أحمد علي أحمد قد تعرض مع عناصر دوريته أول من أمس للرشق بالحجارة عليهم، وعلى آلياتهم لدى محاولتهم قمع مخالفات مماثلة في حي الزراعة في ضواحي صور.الحادثتان سبقتهما عدة حوادث مماثلة في حي يارين في خراج البيسارية وفي النجّارية وأنصارية (قضاء الزهراني). كذلك في مجدل زون والمنصوري في قضاء صور، إلا أن كثيرين «تفننوا» في مقارعة القوى الأمنية، بدءاً من التحايل على نقاط المراقبة والتفتيش التي استُحدثت على مداخل القرى المخالفة، وصولاً الى إنشاء جماعات منظمة تكون جاهزة للالتفاف على الدورية إذا ما اقتربت من ورشة مخالفة.
لكن ما الذي أوصل الأمور الى هذا الحد من الفوضى من جهة، ومن كسر هيبة القوى الأمنية من جهة أخرى؟ بل إن التساؤل الأكبر في رأي الكثيرين يسجَّل ضد البلديات ومسؤولي الأحزاب في بلدات الزهراني: «هل اضطلعت في قمع المخالفات أم في تشجيعها؟».
القوى الأمنية لا تزال تدافع عن أدائها. يقر مصدر أمني «للأخبار» بأن القوى الأمنية «لم تكن صارمة في قمع المخالفات لأنها كانت تجابَه بتجمهر عنيف للمواطنين الذين كانوا يقطعون الطريق بالإطارات المشتعلة، ويرشقون العناصر الأمنيين ودورياتهم بالحجارة، في الوقت الذي هي فيه حريصة على عدم التصادم مع الأهالي»، علما بأن حركة أمل وحزب الله رفعا الغطاء عن المخالفين والمعتدين.
لم تشهر القوى الأمنية سيفها على نحو واضح الى أن امتدت انتفاضة رفض معادلة السمنة والزيت الى أهالي البيسارية، الذين تعجّبوا «إزاء مشهد المهجّرين الذين آووهم قبل أكثر من ثلاثين عاماً وهم يعمّرون على أرضهم في مقابل الحصار المفروض عليهم كسائر البلدات الأخرى». سريان فوضى البناء المخالف في مشاع البيسارية، ومنه الى بعض القرى المحيطة، كان كالنار في الهشيم، حيث لم تستطع القوى الأمنية ضبطه، رغم الإجراءات الميدانية التي اتخذتها، ولا سيما لناحية طلب مؤازرة الفهود والجيش في حصار يارين ومداخل البيسارية ومنع الآليات ومواد البناء من الدخول اليها.
قصة انتفاضة مخالفات البناء والتعدي على الأملاك العامة، واحدة، لكنها ببدايات وخواتيم تختلف باختلاف الانتماء الطائفي والمناطقي والسياسي لقارئها. الرواية الأكثر انتشاراً لسبب اندلاع الانتفاضة في الزهراني منتصف شهر آذار الفائت، هي التي نفاها تيار المستقبل، وتتحدّث عن أن مخالفات البناء في الأملاك العامة بدأت في حي يارين الجديدة في مشاع بلدة البيسارية إثر «تدخّل النائبة بهية الحريري لدى قوى الأمن لتغطية أعمال بناء مخالفة فيها لمناصرين لها كإغراء لهم لمشاركتهم في مهرجان قوى الرابع عشر من آذار». هكذا وبحسب رواية اليارينيّين أنفسهم، فإن حوالى أربعة أشخاص شرعوا بالبناء من دون نيل ترخيص رسمي، على مرأى من سائر أبناء الحي، الذين كانوا قد هجّروا عام 1977من مسقط رأسهم يارين الحدودية، وعدد من جاراتها إثر مجزرة نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي.
ورغم أن تلك الأعمال التي كانت تجري بهدوء وتحت جنج الظلام، اقتصرت على زيادة سقف إضافي أو غرف الى منازلهم الأصلية، انتفض أهالي الحي أنفسهم ضدها، رافضين معادلة «ناس بسمنة وناس بزيت». وما هي إلا أيام قليلة حتى تحوّل الحي بكامله الى ورشة بناء.



استغلال

إذا كانت رواية انطلاقة الانتفاضة تتحدث عن إمرار أربع مخالفات في يارين، فقد أصبحنا الآن أمام ألف مخالفة بناء وتعدٍّ على الأملاك العامة، وخمسمئة مخالفة في الأملاك الخاصة. وليس حجم المخالفات وحده لافتاً، بل النوعية أيضاً. فبعدما كان البناء في الأيام الأولى يقتصر على بعض الإضافات، تطور لاحقاً ليصبح تأسيساً لأبنية جديدة على مشاعات لم تطأها الأقدام من قبل. في البيسارية والسكسكية والصرفند، وصل المواطنون الى الأودية والتلال ومكبّات النفايات، على أمل أن «تتناسى» الدولة مخالفاتهم وتشركهم في شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي، وإذ ضاقت الأملاك العامة بالناس في بلدات أخرى، تمدّدوا الى الأملاك البحرية، حيث عمّروا على الشواطئ الصخرية الممتدة بين الصرفند وعدلون.
«الدلال» سمح للبعض بأن يستغل التساهل في القمع ليخطط اقتصادياً واستثمارياً. فقد بادر مسؤول في أحد الأحزاب النافذة الى تشييد سنتر تجاري على شاطئ عدلون. أما زميله، فحاول إنشاء مشروع سياحي على شاطئ الصرفند.