عكار | تنشط عمليات قمع مخالفات بناء على الأملاك العامة ارتكبتها فئة أو أخرى من اللبنانيين في بعض المناطق. في هذه الأثناء، نجح فريق كبير من أهالي عكار، بعد «انتفاضة» أحرقت فيها الدواليب وقطعت الطرقات بالسواتر الترابية، وعلت لهجة التحذير ليلخّصها اجتماع للبلديات تقرر على أثره إعطاء الفرصة للمسؤولين حتى نهار السبت الماضي «وإلا سيجدون أنفسهم أمام غليان كبير لا يمكن التكهن بنتائجه» بتمديد العمل بالتعميم الذي يسمح للبلديات بمنح تراخيص 120 متراً ضمن حدود ضيقة واستثنائية. وفجأة، غصّت الشوارع والطرقات في عكار بلافتات، تفنّنت بشكر اللواء أشرف ريفي المدير العام لقوى الأمن الداخلي على اهتمامه بعكار وبمعاناة أهلها. فـ«كل الشكر والتقدير على دعمه لقضايا الناس وشؤون المنطقة، وكل الشكر لك يا سيادة اللواء، ولواء الحق لا يحمله إلا الرجال، وجدير بمحبتنا وثقتنا يا أشرف الرجال، وشكراً شكراً شكراً يا سيادة اللواء». وكأن المشهد خلاصة استفتاء شعبي أظهر تأييد اللواء ريفي من قبل بلديات القليعات، البيرة، بيت الحاج، شان، تكريت، تاشع، عرقا واتحاد وسط وساحل بلديات القيطع، وبلديات أخرى لم تظهرها كثافة اللافتات التي ازدحمت بالأخص في بلدة حلبا.
ومع ذلك، تنبّه ناشرو اللافتات إلى أن قرار تمديد السماح للبلديات بمنح تراخيص البناء بيد وزير الداخلية، فظهرت لافتة أو اثنتان لشكر «معالي الوزير على لفتته الكريمة»، علماً بأن الوزير أكد أن تلك التراخيص عمل استثنائي «حيث يصعب الحصول على موافقة المكتب الفني»، وأن «الاستثناء لا يمكن القبول به إلا من خلال تعديل تشريعي في مجلس النواب».
القرار التاريخي بتمديد السماح للبلديات بمنح تراخيص الـ 120 متراً عمّم على المخافر وسمع به رؤساء البلديات بالتواتر أو عبر وسائل الإعلام. أما قلة من البلديات التي لم تستسغ القرار، فقد تكفل أحد نواب تيار المستقبل في عكار بتبليغهم لزوم العمل على «تسهيل أمور المواطنين والبدء بإصدار الرخص». من هؤلاء القلة جورج الوراق رئيس بلدية شربيلا الذي نفى علمه بمضمون التعميم، رافضاً توقيع أي رخصة بناء ما لم تتسلّم البلدية ذلك التعميم «عبر المراسلات المعمول بها مع وزارة الداخلية».
أما معظم البلديات فقد تعاملت وفق تقديرات رؤسائها لمصالح الناس، محددة «الشرف والأخلاق» المعيار الأساس في معالجة أزمة «الشيوع في العقارات» وحاجة الفقراء إلى البناء على عقارات خاصة، تراكمت كمية المخالفات فيها، حتى باتوا عاجزين عن تخليصها في الدوائر العقارية بطريقة قانونية.
فرئيس بلدية منيارة أنطوان عبود، الذي لا يعلم مدة التفويض في إصدار التراخيص، قال «هلق مسموح الترخيص»، وعلى أي حال يضيف عبود إن البلدية تستوفي من طالب الرخصة 2000 ل. ل. عن كل متر لمصلحة صندوق البلدية، وتصدر الرخصة بعد التأكد من عدم اعتراض أصحاب العقار، والمهم أن نفسح المجال لابن البلدة بالبناء حتى لا يضطر إلى شراء شقة في البترون أو في بيروت. أما رئيس بلدية برج العرب، عارف شخيدم، فقد أكد أنه لا يصدر تراخيص إلا للعقارات التي توجد عليها أبنية مخالفة، وقد أعطى مثلاً «عقار في بلدة برج العرب مساحته 142000 متر مربع، بنى عليه ورثة أصحاب العقار قرابة ثمانين منزلاً، وهو مقسم بالتوافق، ولا يمكن تسوية المخالفات من دون دفع مبالغ خيالية». أما العقار «النظيف» فلا يمنح صاحبه رخصة بناء من البلدية. وبالفعل يضيف شخيدم إنه أقنع أحد أبناء البلدة ممن تقدم بطلب رخصة من البلدية بالتوجه إلى التنظيم المدني للحصول على رخصة قانونية.
لكن رئيس بلدية البيرة عبد الحميد سقر أفاد بأنه يمنح التراخيص للجميع، بما في ذلك إذا كان العقار خالياً من المخالفات، إلا إذا كان صاحب العقار ميسوراً وباستطاعته الحصول على ترخيص من التنظيم المدني.
هكذا، وبنِيّة «حسنة»، غايتها مساعدة الفقراء وتكليف الأغنياء، يُفتح الباب على مصراعيه أمام رؤساء البلديات في تعيين من يمنح الترخيص له ومن يمنع عنه. والمهم كما قال رئيس بلدية البيرة، إبراهيم مرعب، عدم الاعتداء على الأملاك العامة.
لكن الحرص على «الأملاك العامة (الـ)حلال عليهم والأملاك الخاصة (الـ)حرام علينا» وهي العبارة التي سوّقها بضربة معلم مشعلو انتفاضة الدواليب والسواتر الترابية في الأسبوع الماضي وتلقفها فقراء عكار تحت ضغط الحاجة، لتحصد نصراً مبيناً أحسن من صنعوه تعبيراً في توضيح هوية صاحبه في اللافتات المنتشرة على امتداد طرقات عكار وشوارعها، هذا الحرص دونه شوائب عديدة، ليس أقلها دفع التهمة عن الطرف المسؤول عن مخالفات الأبنية المتراكمة حتى درجة استعصاء حلها عبر السبل القانونية في الدوائر العقارية. وليس أقلها السؤال عن المحسوبيات التي مررت تلك المخالفات، والسؤال بالتالي عن مسالك إعادة تفعيلها عندما يكون معيار منح الرخص «الشرف والأخلاق» ليس إلا. ففي إطار الحرص هذا بالذات، وفي بلدة البيرة مثلاً حيث يؤكد رئيس بلديتها قصر التراخيص على الأملاك الخاصة، ثمة من يقول إن بناءً شيّد على ملك عام في مشاع الدولة على الطريق القديم بين البيرة والقبيات، وإن بلاغاً من القائمقام يوجد في مخفر القبيات يطالب بوقف البناء المذكور، لكن سلطة تقرير العام من الخاص قد «نيّمت الملف في أدراج التحقيق».
وإذا كان الدور قد أتى على مخالفات كانت تغطيها جهات معينة، واليوم قررت لدواعٍ خاصة وقف التغطية، فسال الدمع ومعه بعض الدم يوم حان وقت التهديم. فهل يتنبّه المواطنون الآخرون قبل مسؤوليهم الى أن «تلك الأيام نداولها بين الناس»، ألم يقل النائب محمد قباني في اجتماع لجنة الأشغال في 3/5/2011 إنه «ليس هناك قانون اسمه 120 متراً بالنسبة إلى من يتحجّج ببعض القوانين»، وإن مجلس النواب «لن يقونن أي مخالفة بعد 1/1/1994»؟



بلديات تؤيد قرار قوى الأمن

أعلن رئيس اتحاد بلديات جرد القيطع في عكار، عبد الإله زكريا، إثر اجتماع عقده رؤساء بلديات المنطقة أمس «أن إلغاء القرار الذي يسمح للبلديات بإعطاء رخص بناء محددة المساحة 120 متراً مربعاً من شأنه إحداث قلق كبير عند الأهالي، الذين لا بد سيلجأون الى الشارع للتعبير عن رفضهم لقرار المنع، على اعتبار أنهم لا يعتدون على الأملاك العامة، وهم استحصلوا على رخص بلدية والقسم الأكبر منهم باشر عملية البناء». بدورهم، أصدر رؤساء بلديات سهل عكار بياناً إثر اجتماع عقدوه، أكدوا فيه أنهم «يرفضون المساس بالمذكرة الصادرة عن قوى الأمن الداخلي، التي تعالج مشكلة التراخيص المتعلقة بالبناء على الأملاك الخاصة، الذي لا تزيد مساحته على الـ120 متراً مربعاً». وجاء في البيان أنه «لا يمكن قبول مصادرة دور هذه البلديات بإعطاء هذه الرخص ذات المساحة الصغيرة، لمعالجة مشكلة السكن وإيواء العائلات التي لم تعد تحتمل تسويف الدولة وعدم القيام بواجباتها من مسح نهائي للأراضي الخاصة». صدرت أيضاً بيانات مماثلة أمس عن كل من بلديات منطقة الدريب في عكار، وبلديات الجومة وبلديات المقيبلة ومشتى حسن ومشتى حمود ووادي خالد.