ليس جديداً أن يُهدَّد قضاةٌ بالقتل في بلاد الأرز دون أن يُعاقَب الفاعلون. لا بل قل أكثر من ذلك، فتهديد القضاة يكاد يُصبح نمطاً ينتهجه متّهمون أو أقاربهم لتأجيل جلسة أو تأخير محاكمة، كما يمكن أن يكون الفاعلون غير هؤلاء لفائدة يرجون تحقيقها أو بلبلة يُريدون إثارتها. فالأمر لن يكلّفهم أكثر من رسالة نصية قصيرة أو اتصال، إن أراد «المهدّد» السخاء، والباقي يُترك للقدر. التجربة خير برهان على ذلك، فالعقاب لم يطاول أحداً منذ بدأت هذه الظاهرة بالرواج. منذ يومين، أُرسلت رسائل تهديد عبر الهاتف الخلوي إلى نحو 70 قاضياً ينظرون في قضايا جزائية، الأمر الذي أثار جوّاً من البلبلة لدى القضاة، الذين تلقّوا الرسالة، ولا سيّما أن كل واحد من هؤلاء القضاة ظنّ أنه الوحيد المستهدف قبل أن تتضح الصورة ليتبيّن أن مرسل الرسالة أرسلها إلى عدد كبير من القضاة. فنص الرسالة كان كما يأتي: «أولادنا حياتهم بالسجن، انتو وخارجين من العدلية واحد واحد لنقتلكم إذا بتنفتح جلسة من هلأ ورايح»، كما تضمّنت الرسالة: «اعتبروا أنتو وعيلكم رح تنقتلوا، حيلا جلسة بتنفتح بتكون عربون لحياتكم». رقم الهاتف الخلوي الذي أُرسلت منه رسائل التهديد هو 71036292، لكن لم تتمكن الأجهزة الأمنية من تحديد مصدر الرقم ومكانه. تحديد مصدر الرقم يكاد يكون مستحيلاً باستثناء إمكان تحديد الموقع الجغرافي الذي أُجري منه الاتصال، أو أُرسلت منه الرسالة القصيرة.
وفي هذا السياق، ذكر مسؤول أمني رفيع لـ«الأخبار» أنه لم يجرِ توقيف أحد في الحالات السابقة. فقد سبق أن ورد اتّصال إلى قصر عدل بعبدا يفيد بوجود قنبلة داخل حقيبة أحد المحامين. أُخلي القصر ليتبين أن الإنذار كاذب. الأمر نفسه تكرر في قصر عدل بيروت. المسؤول المذكور لفت إلى أنه لا يمكن فعل أيّ شيء حيال ما يجري سوى الدعاء لحماية القضاة بانتظار وصول القوى الأمنية إلى الفاعل الحقيقي.
وكان موقع النشرة الإلكتروني قد نشر الخبر نقلاً عن الصحافي جوزيف أبو فاضل، الذي أشار إلى أن هذه الرسالة وصلت إلى القضاة ليل 15/16 الحالي، بمن فيهم رئيس هيئة التفتيش القضائي القاضي أكرم بعاصيري، ورئيس مجلس شورى الدولة شكري صادر. وذكر أبو فاضل أن الرسائل المرسلة دفعت معظم هؤلاء القضاة إلى الاتصال بالمدعي العام التمييزي سعيد ميرزا الموجود في لندن، الذي طلب إليهم متابعة أعمالهم لأنه «لا يمكننا أن نقفل العدلية». وتساءل أبو فاضل في حديثه للموقع المذكور: «إذا كان العفو هو المطلب، فهو محق»، مشيراً الى أنه «يؤيد العفو الشامل عن الجنح، مع الاحتفاظ بالحق الشخصي، والعفو النصفي عن الجنايات مع الاحتفاظ بالحق الشخصي، وتطبيق المادة 108 لخفض العقوبة على السجناء».
من جهة أخرى، وفي الموضوع الذي لا يُفصل عن المرفق العدلي، لا يزال السجناء في سجن رومية المركزي مستمرين في اعتصامهم عبر الإضراب عن الطعام حتى تحقيق مطالبهم. وفي هذا السياق، أشاد رئيس جمعية عدل ورحمة الأب هادي العيا بالخطوات المستجدة التي اخذتها لجنة الإدارة والعدل بالتعاون مع وزارتي الداخلية والعدل في مسألة تسريع المحاكمات ومراجعة ملفات عدد كبير من السجناء لتلبية حقوقهم. ودعا العيا السجناء إلى النظر بإيجابية إلى هذه الخطوات عبر تعليق الإضراب.



بين اللهو والجد

ذكر مسؤول قضائي لـ «الأخبار» أن رسائل التهديد التي وصلت إلى هواتف القضاة أثارت بلبلة لأنها تتزامن مع ما يجري من أحداث تمرّد داخل سجن رومية. فالاستنفار الحاصل يعيشه الأهالي يالتوزاي مع أبنائهم القابعين خلف القضبان، ولا سيّما أن بعض القضاة تحدثوا في السابق عن سجين أراد تأجيل جلسته فاتّصل مدّعياً وجود قنبلة في قصر العدل، ما دفع القيمين على المرفق العدلي إلى تأجيل جلسات المحاكمة. وفي الإطار نفسه، تحدث متابعون للشأن القضائي عن أن أحد قضاة محكمة الجنايات لم يُعيّن جلسات للحكم يوم أوّل من أمس تماشياً مع الحذر من التهديد الذي تلقّاه. من جهة أخرى، لمّح مسؤول قضائي إلى أن ما حصل لهوٌ مفتعل بقصد خلق بلبلة، ولا دخل له بمطالب السجناء.