سينقطع التيار الكهربائي كثيراً هذا الصيف، وبتقنين أكثر قسوة مما سبق، عن كثير من مناطق الضاحية الجنوبية. سينزل الناس إلى الشارع، سيشعلون الإطارات المطاطية ويقطعون الطرقات احتجاجاً. سيكون سهلاً ملاحظة أن أحد المحتجين، أكثرهم حماسة ربما، هو أحد المساهمين، من حيث يعلم أو لا يعلم، في غياب الكهرباء عن منزله ومنازل الآخرين. هذه النتيجة تصبح حتمية، عندما يرى المشاهد أن «أوزاعي» جديدة ارتفعت فوق القديمة، وأن الرمل العالي يكاد يصبح «رملين»...
وهكذا في بقية الأحياء. استطاعت القوى الأمنية إزالة عدد من مخالفات البناء الحديثة، بيد أن كماً هائلاً منها ما زال منتصباً. هذه المنازل لن تأخذ الكهرباء لاحقاً بطريقة شرعية من المؤسسة الرسمية، لكونها غير شرعية، وبالتالي غير مسجلة. ولأنه لا أحد يعيش الآن بلا كهرباء، فإن من سيسكن تلك المنازل سيأخذ التيار «سرقة» عن الأعمدة. هكذا، يدفع الناس الثمن دائماً في لبنان، فمع عجز القوى الأمنية عن إزالة جميع المخالفات، وعدم «مونة» الأحزاب على الناس في هذا الموضوع أو الخوف من فقدان شعبية، يُلقى حبل المخالفات على غاربه. يصبح الأمر أشبه بلعبة «الدومينو»، حيث كل حجر يدفع الآخر، إلى أن تنهار جميعها في النهاية.
قبل 3 أيام، صدر عن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بيان مقتضب، أكّدت فيه أنها ستعمد إلى إبلاغ أصحاب العلاقة المخالفين في محيط المطار، بأنها ستزيل مخالفاتهم خلال 48 ساعة بمؤازرة من الجيش اللبناني. انتهت المهلة مساء أمس، لكن المخالفات ما زالت قائمة. جولة سريعة في منطقة الأوزاعي كانت كافية للتأكد من ذلك، بل لمشاهدة أبنية جديدة يجري العمل فيها علناً، حيث تظهر أن المشكلة فلتت من يد الدولة. لا يبدو من كلام المسؤولين الأمنيين أن عامة المخالفات تمثّل أولوية لديهم، بل يركّزون تحرّكهم حالياً على تلك الواقعة قرب سور المطار. فبحسب مسؤول أمني معني، جرى الدخول أخيراً إلى برج المراقبة في المطار، بالتنسيق مع المديرية العامة للطيران المدني، ونُظر منه إلى ناحية البحر، فتبيّن وجود أبنية تعوق الرؤية، وبالتالي تمثّل خطراً على سلامة الطيران. هذه الأبنية هي غير تلك التي أزيلت من المكان نفسه قبل نحو أسبوعين.
إلى ذلك، يؤكد المدير العام لقوى الأمن الداخلي، اللواء أشرف ريفي، أن القوى الأمنية مستمرة في خطة إزالة المخالفات بالمتابعة والتنسيق مع قيادة الجيش، وأنه «لا استسلام في هذا الموضوع». يوضح ريفي في حديث مع «الأخبار» أن الإصرار على المتابعة منطلق من كون المخالفات تمسّ بالقانون والبيئة، لكن الأهم من ذلك السلامة العامة للناس. فعلى «أصحاب تلك المخالفات، وهم أهلنا وناسنا، أن يعرفوا أن سلامتهم في خطر أولاً. هم أصلاً لا يبنون هندسياً وفق الأصول والشروط، وبالتالي فإن هزّة أرضية خفيفة أو عاصفة قوية يمكن أن تسقط هذه الأبنية، وبالتالي تحلّ الكارثة».
حضرة اللواء، بعض أصحاب المخالفات يرددون عبارة «شو عدا ما بدا». يقولون إنهم كانوا سابقاً يدفعون لدوريات الأمن رشى وهدايا مقابل غض النظر، فما الذي حصل الآن؟ يجيب ريفي: «نحن لا ندّعي أننا ملائكة، لكن كانت هناك أسباب قاهرة لدينا وبدأنا بمعالجتها. بعض رجال الأمن لديهم تربية سيئة، طفيليون، وقد فتحنا تحقيقات في هذا الموضوع أخيراً وجرت محاسبة البعض، وسيحاسب آخرون أيضاً». من ناحية أخرى، يوضح مسؤول أمني رفيع، معنيّ بملف إزالة المخالفات، أن التنسيق مع حركة أمل وحزب الله في منطقة الضاحية الجنوبية «أصبح مقبولاً، حيث يجري التعاون دون اعتراض أو معوقات». بيد أن المسؤول يرى عكس ذلك في منطقة الجنوب، إذ «لا يبدو صحيحاً أن الغطاء السياسي قد رفع تماماً، كما قيل سابقاً، فإذا كانت القوى الأمنية تتحمل جزءاً من التقصير فإن الجزء الآخر يتحمله غيرنا». يُذكر أن فورة مخالفات البناء قد بدأت أخيراً من منطقة الجنوب، وتحديداً من بلدة البيسارية ـــــ حي يارين، إذ تردد أن النائبة بهية الحريري أوعزت إلى القوى الأمنية غض النظر عن مخالفات المؤيدين لتيار المستقبل هناك، كهدية لهم مقابل مشاركتهم في مهرجان 13 آذار، ما دفع ببقية الأهالي إلى «الغيرة»، وبالتالي مباشرة البناء في المشاعات. طبعاً، الست بهية تنفي ذلك، ومعها «المستقبل».
من ناحية ثانية، دعا رئيس اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية محمد الخنسا، إلى عدم تأخر القوى الأمنية في الوصول إلى المخالفات لإزالتها، وخاصة في منطقة الجناح ـــــ بئر حسن. سبب ذلك أن البعض يشرع في البناء ويستمر على مدى أيام، ويظن أن لا أحد سيمنعه، ولكنه يفاجأ بوصول دوريات قوى الأمن لتزيل البناء بعد اكتماله. هذا الأمر يزيد من حافزية المخالفين للتصادم مع قوى الأمن، وخاصة أن بعضهم قد اقترضوا واستدانوا ثمن مواد البناء.



نادي السد

قبل أيام، أزالت القوى الأمنية مخالفة بناء عائدة لنادي السد الرياضي في منطقة حرش القتيل ـــــ طريق المطار. وقف صاحب نادي كرة اليد، تميم سليمان، ينظر إلى الجرافات وهي تهدم ما كان يُعدّ ليكون غرف تبديل ملابس. عاتب رجال الأمن، والحسرة تخنقه، لكون الدولة تمنعه من بناء غرف لا بد منها حتى يصبح الملعب أولمبياً... أكّد لهم أن الأرض ملكه، وأنه لا يعتدي على مشاعات، بل إن بلدية برج البراجنة تتعمد عدم منح ترخيص بالبناء «لأسباب شخصية». حمل أوراقاً قال إنها تؤكد ملكيته وراح يبرزها أمام رجال الأمن، لكن الهدم استمر. أخيراً، صرخ قائلاً: «لقد طلبوا مني رشوة قدرها 100 ألف دولار حتى يسمح لي بالبناء، فطلبت منهم التوقيع على وثيقة استلام فرفضوا، فرفضت أنا بدوري. هذه هي مشكلتي، فليسمعني الجميع».



«ثقافة» طوبار وونش وفالصو

أفرزت فورة مخالفات البناء ما يمكن عدّه «ثقافة» جديدة، فضلاً عن سوق تجاري جديد. بات كل من يريد بناء شقة يسأل عمّن يؤجره مضخة باطون (بامب). يبحث عمن يبيع عدّة الطوبار (الخشب) مع ملازم معدنية. بعض التجّار حاضرون دائماً لاقتناص الفرص. رفعوا سعر كيس الترابة (50 كيلغ) من 6 آلاف ليرة إلى حوالى 13 ألفاً. الحجارة أيضاً رفعوا سعرها، فأصبح الـ 100 منها بـ 65 دولاراً أميركياً بعدما كانت بـ 18 دولاراً قبل الفورة. من يملك «ونش» كهربائي استفاد أيضاً. تؤجّر هذه الآلة، التي تسحب الحجارة من الأرض إلى الأعلى، بنحو 100 دولار في الليلة، علماً بأن ثمنها الأصلي لا يتعدى 900 دولار. بات الأهالي في مناطق المخالفات خبراء في مواد البناء، يتحدثون عن طرق حفر الآبار الارتوازية، ويميزون بين المصانع التي تبيع حجارة «فالصو» (رديئة) والتي تبيع الجيد منها، أي المشبّع والمدعّم.