محاولات احتواء الكارثة التي تنهش السجن المركزي في رومية لا تزال مستمرة؛ فمنذ التمرّد الكبير الذي استدعى معالجةً حازمة استُخدم فيها الحديد والنار، لم يكد يمرّ يوم هدوء واحد على نزلاء الأروقة المظلمة إلا لتعقبه أيامٌ من مشادة جماعية مع القوى الأمنية، أو اعتصامٌ مطلبي، وصولاً إلى إضرابٍ عنفي تمثّل بتقطيب السجناء لشفاههم. فجر أمس، بعدما أعلن السجناء تعليق إضرابهم عن الطعام، نفّذت القوى الأمنية عملية دهم واسعة بقصد تفتيش الغرف بحثاً عن ممنوعات.
الخطة كانت معدّة سلفاً وسط ترقّب السجناء الذين كانت ترد اتصالات تحذيرية منهم لـ«الأخبار» من ردٍّ عنيف ستواجهه القوى الأمنية إن أقدمت على خطوة مماثلة. غير أن القوى الأمنية دخلت عند الساعة الرابعة صباحاً إلى مباني السجن المركزي. السجناء فوجئوا بحركة القوى الأمنية، لكنهم أبدوا مقاومة شديدة. الاشتباك الأكبر كان في المبنى «ب»، حيث تمكّن السجناء من أخذ أحد الرتباء أسامة م. رهينةً لمنع القوّة المهاجمة من التقدّم. بدأت المفاوضات التي لم تطل قبل أن يوافق السجناء على إطلاق رهينتهم. السجناء تحدثوا لـ«الأخبار» عن إهانات تعرّضوا لها من القوى الأمنية، فقال أحدهم إن القوى الأمنية جرّدتهم من ملابسهم بالقوة، مشيراً إلى أنّ من رفض منهم خلع ملابسهم استُخدمت عصي كهربائية لإجباره. السجناء تحدّثوا عن عدد كبير من الإصابات بينهم، وذكر أحدهم أن السجين طوني خ. ضُرب ضرباً مبرّحاً. في الإطار نفسه، ذكر مسؤولون أن عملية التفتيش التي نفّذتها القوى الأمنية أدت إلى إصابة أربعة جرحى من السجناء فقط، مقابل إصابة ثمانية عسكريين بجروح، أحدهم في حال الخطر، وهو برتبة ضابط. أما الحصيلة المادية لما وُجد، فكانت كمية كبيرة من المضبوطات المتمثّلة بسيوف وخناجر وسكاكين وحبوب مخدرات وحبال وعدد كبير من الهواتف الخلوية. واتّخذت إدارة السجن المركزي المتمثلة بالعقيد فؤاد خوري عدداً من الإجراءات، أبرزها إجراء تشكيلات للسجناء. فقد نُقل نحو 14 سجيناً تأديبياً إلى سجون مختلفة، فيما نُقل نحو 40 آخرين بين المباني الداخلية للسجن. من جهة أخرى، تحدّث سفير منظمة حقوق الإنسان في لبنان علي خليل، مطالباً بمحاسبة المسؤولين عن دخول الممنوعات إلى السجن، لا السجناء، فحصلت مشادة كلامية بينه وبين العميد جورج سلامة الذي اتّهمه بتحريض السجناء على القوى الأمنية، الأمر الذي أغاظ السفير بصفته ناشطاً حقوقياً منذ سنين. في المقابل، أصدرت القوى الأمنية بياناً شرحت فيها ملابسات ما حصل، فذكرت أنه إثر أعمال الشغب التي وقعت أخيراً في سجن رومية المركزي، تعاقدت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي مع عددٍ من الأطباء للعمل حصرياً داخل السجن، فارتفع عددهم من طبيب واحد إلى 12 طبيباً.
وأشار البيان إلى أنه بتاريخ 18/5/2011، وخلال معاينة أحد السجناء، شهر سكيناً ووضعه على رقبة الطبيب، مرغماً إياه إحالته على المستشفى، علماً بأن وضعه الصحي لا يستدعي ذلك. إثر هذه الحادثة، تقدم عدد من الأطباء المتعاقدين الجدد بطلب إعفائهم من مهمتهم. ولفت البيان إلى أنه بناءً على ما حصل، قررت المديرية العامة القيام بحملة تفتيش في غرف السجن، ولا سيّما في المبنيين «ب» و «د»، حيث يقيم المشاغبون بغية ضبط المواد الممنوعة، سواء أكانت آلات حادة أم غير ذلك. وذكر البيان أن عملية التفتيش بدأت عند الساعة الخامسة من فجر أمس، فووجهت بأعمال شغب ومقاومة لرجال الأمن من نزلاء المبنى «ب»، الأمر الذي استدعى تدخل قوة من الفهود ومكافحة الشغب التي تمكنت من السيطرة على المبنى وعلى الشغب.
يُذكر أن مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر، يُشرف على التحقيقات الأولية في الانتفاضة التي حصلت في سجن رومية أمس.