أطلقوا النار عليهم لأنهم لم يخافوا الموت. أطلقوا النار على شبّان خرجوا لحظة من ظلام المخيم إلى نور فلسطين بصدور عارية. أطلقوا النار فسقط عشرة شهداء وعشرات الجرحى. أطلقوا النار على من تجرّأ على النظر بعيداً خلف الأسلاك الشائكة، على من أحسّ أن الحلم قد يتحقق يوماً عندما رأى نسيم الربيع يتلاعب بأشجار الجليل وحقوله. أطلقوا النار عليهم لكنهم لم يتراجعوا. رموا الحجر تلو الحجر ولم يتراجعوا، وبأعلى صوت صرخوا 60 عاماً من الآلام في آذان لا تسمع. خطيئتهم أنهم رأوا ديارهم فركضوا باتجاهها عن سابق تصوّر وتصميم.
أطلقوا النار عليهم لكن لا، لن يستحق عشرة شهداء سقطوا برصاص «جيش الدفاع الإسرائيلي» لجنة تحقيق دولية. لن يستحقوا حتى بعثة لتقصّي الحقائق، لأن الجميع يعرفون جيداً حقيقة الحقيقة. فمجلس حقوق الإنسان في جنيف يتحمّس لحقوق الناس فقط إذا لم تمانع الدول الكبرى. أما مجلس الأمن، فيكلّف المحكمة الجنائية الدولية النظر في ما يشاء الأقوياء.
لن يستحقّ شهداء مسيرة العودة تعاطف الجماهير الحاشدة في ميادين التحرير والحرية والكرامة وثورات «الفايسبوك» و«التويتر» و«اليو تيوب». لن يهبّ الشباب لنصرة القدس وتحرير فلسطين ولا لأقلّ من ذلك بكثير... لن يهبّوا للتذكير بأن مئات آلاف اللاجئين يقبعون في مخيمات البؤس والعذاب والحرمان، لا بيت لهم يعودون إليه بعد انتهاء التظاهرة، ولا حيّ يعلنون فيه العصيان، ولا حزب حاكماً يرفعون علم بلادهم على مقارّه معلنين التمرّد.
لاجئون هم. فقط لاجئون. لا حقّ لهم في أرض الشتات ولا حقّ لهم في العودة إلى ديارهم. لا حقّ لهم في التشبّث بالأرض أو في تسلّق جدران الحدود لرؤية مدنهم وقراهم. وعندما يتجرّأون على التعبير عن أحلامهم، عندما يتمسّكون بالشريط الحدودي الشائك وينظرون بعيداً نحو عمق فلسطين، قد لا يقتلهم «الطخّ» الإسرائيلي، لكن ما يقتلهم توظيف نضالهم في الصراعات السخيفة.