هناك بعض الحقائق التي يعلمها كل من لديه اهتمام بقضايا الغذاء والأمن الغذائي. أولها أن العالم واقع اليوم في أزمة غذائية متنامية، وأن أسعار الغذاء ستتضاعف خلال العقدين الآتيين، ومعها عدد الجياع في العالم. وستكون البلدان العربية في عين العاصفة؛ إذ إنها شحيحة المياه، كثيفة السكان، تفتقر إلى الأراضي الخصبة، وتقتات من استيراد الغذاء. وقد تبنت الحكومات العربية تاريخياً سياسات تنموية قضت على القطاع الزراعي وشجعت القطاعات الريعية، وعلى رأسها التجارة (بالغذاء) والمضاربات العقارية التي تلغي الاستعمال الزراعي للأرض. إن مواجهة التحديات الراهنة ستتطلب مقاربات جديدة خلاقة ومبدعة تجعل وطننا العربي أقل تعرضاً للصدمات وتوفر الغذاء لجميع سكانه. ولأن الصورة واضحة، قد يستغرب المراقبون شح الخبرات المحلية في مجال الأمن الغذائي. فالواقع أن أكثرية الجامعات في بلادنا لم تعط أهمية كافية لهذا التخصص، وألحقته بالتخصصات الزراعية، ربما بسبب أبعاده الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الواضحة. قد يعود هذا الواقع إلى أسباب عديدة، منها أن البلدان العربية الغنية كانت تظن أن بإمكانها شراء ما تشاء من الأسواق، قبل أن تكتشف خلال أزمة عام 2007 أن الأسواق قد لا تكفي لإشباع شعوبها. ومن ناحية ثانية، لم تشجع الحكومات العربية يوماً الإبداع والتجدد في جامعاتها، وخاصة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي قد تؤدي إلى طرح أسئلة محرجة، مثل: لماذا تستولي طبقة صغيرة جداً من المقربين للسلطة على مساحات زراعية شاسعة، فيما لا يملك المزارع ما يكفي من الأرض لتأمين معيشته؟اليوم، نضع كل آمالنا في الربيع العربي، آملين أن تصل رياح الحرية إلى داخل صروح الجامعات.