أرسل المواطن علي شباني «ديريكسيون» سيارة عدد 2 إلى شقيقه المقيم في أُستراليا عبر شركة «Aramex» للشحن الجوّي. مرّت عدة أيام، فتلقى علي اتّصالاً من مكتب مكافحة المخدرات، طُلب فيه منه الحضور إلى مخفر حبيش. قصد علي المخفر، فأعلمه المؤهل أ.ج. بأن برقية إنتربول دولية صادرة عن الشرطة الأسترالية تُشير إلى أنّهم عثروا داخل إحدى عجلتي القيادة على كمية 300 غرام من الكوكايين. البرقية تُشير إلى أن الشحنة أُخضعت للفحص بالأشعة السينية، ولوحظ وجود أجسام غريبة في الصورة. وذكرت البرقية أن الشحنة فُتحت وأُخضعت لمسح مفصّل بيّن إمكانية احتوائها على الكوكايين.الأمر الذي استدعى ثقب إحدى العجلتين ليتبين وجود بودرة بيضاء، أُخضعت لفحص كانت نتيجته حاسمة وإيجابية. وذكرت البرقية أن عدة فحوصات أجريت باستخدام آلات مختلفة أعطت جميعها نتائج إيجابية حول وجود كوكايين.
وضع المحقق الأصفاد في يدي علي ليبدأ استجوابه. أخبره بأن لا مفرّ أمامه سوى الإدلاء بأسماء شركائه. فالجرم مشهود وكمية المخدرات المضبوطة في الشحنة التي أرسلها هو إلى شقيقه أكبر دليلٍ على ذلك. أنكر علي التُّهم المنسوبة إليه. أخبره بأن لا معلومات لديه عمّا يتحدث. يقول علي لـ«الأخبار» إنه نُقل من مكتب المحقق إلى مكتب العقيد عادل مشموشي الذي استقبله بشتيمة: «يا أخو الكذا والكذا ما بدّك تعترف». ركّعوه أمام العقيد لعشر دقائق. كان في الغرفة وكيل أحد مكاتب «أرامكس» حسين ر. الذي استُجوب أيضاً على أنه هو من فحص الشحنة قبل إرسالها. ورغم أنه كان يجب أن يكون محط شبهات لم يوقف. طلب العقيد من علي إخباره عمّن غرّر به وأعطاه المخدرات. طلب إليه الإفصاح عن طريقة التوضيب. ردّ علي مؤكداً أنه لا يعلم شيئاً، فطلب العقيد من المؤهل أ.ج. أخذه وتعليقه من خصيتيه. اقتاد المؤهل المذكور الموقوف إلى مكتب ضابط برتبة ملازم كان يتناول طعامه. ركّعه نحو نصف ساعة، رغم أن الموقوف كان يصرخ بأن لديه مشاكل صحية في قدمه. أنهى الملازم طعامه وطلب نقله إلى مكتب المحقق لاستجوابه. هناك نال علي نصيبه من اللطمات. لم يُعلّق من خصيتيه، لكنه لم يكن يعلم من أين تأتي الضربات. لم يكتف المحقق بذلك، أخذه إلى غرفة ثانية. مدّده على الأرض فيما كان مقيّد اليدين، وانهال عليه بالضرب مجدداً. كان يريد منه اعترافاً، لوهلة انهار علي وأخبره بأنه سيعترف. أجابه المحقق: «صرنا نفهم على بعض». توقّف الضرب ليعودا إلى مكتب المحقق. حضر الكاتب لتسجيل الإقرار، فطلب علي من المحقق أن يسحب مسدسه كي يقتله. أخبره علي أنه يُفضّل الموت على الاعتراف بذنب لم يقترفه. كذّبه المحقق وشتمه وطلب من العسكر نقله إلى النظارة لاستكمال التحقيق لاحقاً. في اليوم التالي، استُدعي صديق الموقوف وشقيقه. دخل صديق الموقوف ع.ش. وأُُحضر علي شباني ليمثل أمامه. أخبره المحقق بأنه أحضر له شريكه الذي يمدّه بالمال. طلب إليه الاعتراف. فردّ علي بأنه لا يعلم شيئاً. أخبره المحقق بأنه سيحضر زوجته للتحقيق معها. أكّد له أنه سينتهك عرضه إن لم يقرّ. انهال عليه بالضرب مجدداً أمام صديقه. فسال البول من مثانته دونما إرادة منه. فطلب المحقق من العسكري أخذه إلى الخارج.
استمر استجواب علي لنحو يومين ذاق خلالهما أقسى أنواع الأذى بحسب ما اّدعى. ذكر أن اللطمات واللكمات نالت منه على مدى اليومين دون أن يعترف. أخبرهم بأنه لن يعترف بأمر لم يقترفه. أُبقي علي في عهدة قوى الأمن لمدة 11 يوماً، فلم يُسمح لأهله أو محاميه برؤيته طوال ثمانية أيام، أُحيل بعدها على قاضي التحقيق في جبل لبنان محمد بدران. أخبر علي القاضي بأنه تعرّض للضرب. استمع إليه القاضي وأبقى على توقيفه. مرّ 19 يوماً على وجود علي شباني موقوفاً من تاريخ 13 أيار حتى 31 من الشهر نفسه، إلى أن أُُخلي سبيله بعدما وصلت برقية من الإنتربول الدولي صادرة عن الشرطة الأسترالية تفيد بأن مخالفات حصلت في الكشف الروتيني للأشعة السينية، الأمر الذي استدعى إخضاع الشحنة إلى مزيد من الفحص الفيزيائي، فتبين أن لا بضائع ممنوعة في الحمولة. إذاً، لقد كان علي موقوفاً بناءً على خطأ تقني ارتكبته الشرطة الأسترالية. خطأ تقني كلّف علي 19 يوماً من العذاب ليخرج بعدها كأنّ شيئاً لم يكن. قصد علي شباني «الأخبار» طالباً استرداد كرامة داستها أقدام المحققين الذين استجوبوه. تحدّث عن سمعة شوّهتها برقية الإنتربول المبنية على أمور غير دقيقة. وخسر علي عدداً كبيراً من أسنانه نتيجة اللطمات التي تلقاها من المحققين، وذلك ثابت بتقرير الطبيب جليل سليمان الذي عاينه. كذلك أُصيب بارتخاء في أعصاب المبولة نتيجة التعذيب الجسدي والنفسي. يسرد علي لـ«الأخبار» أن المستدعى في برقية الإنتربول هو حسين ر.، غير أن حسين لم يوقف لأسباب مجهولة. فالاستجواب والضرب كانا من نصيب علي. لو كان هناك مخدرات في الشحنة، لكان يحتمل أن يكون حسين قد وضعها أيضاً. تساؤل علي وضعه برسم المسؤولين.
من جهة أُخرى، نفى مسؤول أمني رفيع لـ«الأخبار» ما أدلى به علي، مؤكداً أن لا أحد مسّه ولو بضربة كف. ووضع المسؤول المذكور كلام علي في إطار الادّعاءات مشيراً إلى أن التعذيب لو حصل فعلاً لكان علي قد اعترف. ولفت المسؤول المذكور إلى أن التحقيق خُتم وأُحيل على القضاء وفق الإجابات التي أدلى بها علي. أما مسألة إبقاء علي في عهدة القوى الأمنية لأحد عشر يوماً، الأمر الذي يُعد مخالفاً للقانون، فقد أوضح المسؤول المذكور أنه استُبقي في المخفر بناءً على طلب القضاء لأن النظارة لا تتسع لمزيد من الموقوفين. المسؤول الأمني أسف لما حصل مع علي لجهة الخطأ الذي ارتكبته الشرطة الأسترالية، مشيراً إلى أن بإمكان على اللجوء إلى القضاء لتحصيل حقّه من الحكومة الأسترالية. أما لجهة مزاعم التعذيب، فأكّد ضابطٌ رفيع في قوى الأمن الداخلي أن في إمكان علي أن يحصل حقّه عبر نيل المرتكبين العقاب المناسب إذا كان يملك أدلة وإثباتات.



استيراد المصائب من شرطة أستراليا

ليست المرة الأولى التي تُخطئ فيها الشرطة الأسترالية في ادعاءات جرمية، فقد سبق أن ارتكبت خطأ جسيماً منذ عدة سنوات. يومها أعلنت أنها عثرت على آثار لمتفجرات داخل الطائرة التي أقلّت الحجاج الأستراليين الذين اشتُبه فيهم بالضلوع في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، غير أن الإعلان الذي رجّح كفة فرضية أن يكون هؤلاء هم المرتكبين، لم يستمر طويلاً. تراجعت أستراليا لتقول إن التعمّق في الفحص أظهر أن لا وجود لأي أثر لمواد متفجّرة. من جهة أخرى، علمت «الأخبار» أنه لدى استجواب علي شباني عن الدافع إلى إرسال عجلتي القيادة من لبنان إلى شقيقه في أُستراليا، ولماذا لا يشتريهما من هناك؟ أجابهم علي بأن النوع المرسل غال الثمن في أستراليا، فهو مزوّدٌ بـ«فورمايكا»، كذلك فإن ثمن العجلة الواحدة في لبنان يبلغ نحو مئة دولار أميركي، بينما تُباع في أستراليا بـ800 دولار. وعندما سألوه عن سبب إرسال عجلتين، أخبرهم بأن الأولى لشقيقه بينما الثانية ليبيعها كي يحصّل ربحاً 600 دولار. علي الذي يعمل دهّاناً للسيارت، فيما يعمل شقيقه سائق تاكسي في أستراليا، يشكو ظُلماً لحق به. يطلب أن تُنصفه العدالة، علّها تُعيد له ماء وجهه الذي خسره أمام عارفيه.