لا تزال القهوة العربية سيدة معالم الضيافة في الريف اللبناني. هذا من الناحية الإجمالية، لكن بتفصيل أكثر، لا تزال المجتمعات المتصفة بالطابع العشائري مثل وادي خالد تتباهى باقتناء عُدة القهوة العربية، من منقل كبير نحاسي أو مذهب، وطقم من المصبات، وهي أوانٍ نحاسية أيضاً، تتفاوت في الحجم والوظيفة، بالإضافة إلى فناجين القهوة الكبيرة (يعادل حجم الفنجان الواحد أضعاف مثيله من الفناجين العادية). والمفارقة أن وظيفة الفنجان الكبير لا تتعلق بمقدار ما يتسع من القهوة، بل العكس تماماً، إذ توضع في الفنجان «شفة» صغيرة بالكاد تغطي أسفل الفنجان، لكن دور الفنجان الكبير يقتصر على تبريد القهوة لدى صبها من الركوة، وهي من السخونة بحيث يتصاعد منها البخار، وعلى الضيف ارتشاف الشفة بسرعة لكي يأتي دور غيره. يحمل المعذب (الشخص الذي يقدم القهوة) ركوة وفنجانين فقط، ويدور على الضيوف، وبينما يرتشف الأول شفة القهوة يقدم المعذب شفة أخرى لضيف آخر. يدور الفنجان الواحد على عشرات الضيوف، للتعبير عن روح المحبة بين المدعوين. ومن عادات العرب التي لا تزال رائجة حتى هذه الأيام، أن يشترط الضيف، حتى يشرب القهوة، على مضيفه، القبول بشروط معينة اقترحها عليه لفضّ إشكال مسبق عالق بينهما. عندها، يتخذ تناول القهوة من الطرفين معنى المصالحة، وإلا فثمة عبارة مشهورة تعبّر عن انفضاض الجمع وبقاء المشكل معلقاً، هي «قهوتك مشروبة».لم يعد فن صناعة القهوة العربية ممارساً بكثرة، تستثنى من ذلك البيوت «المفتوحة» أي بيوت وجهاء العشائر والمخاتير. وفي معظم القرى والبلدات، هناك أشخاص محددون يتولون صناعة القهوة العربية، وبخاصة في المآتم والأعراس، بعض هؤلاء الأشخاص يتبرعون للعمل تطوعاً، والبعض الآخر يعمل بالأجرة. وفي غمرة مجيء الضيوف المعزين أو المهنئين، ينبغي أن تكون العيون «مفتحة» للتأكد من أن لا أحد منهم خرج قبل تناول شفة القهوة. لذلك، يعاون المشرف على تقديم القهوة مجموعة من الأقرباء والأصحاب.
أما عُدة القهوة العربية، فمنقل نحاسي كبير تنقش عليه صورة شجرة النخيل، والخيمة العربية، والخيول. والمنقل الفخم يقف على تماثيل لأربعة أحصنة أو جمال. أما أوعية القهوة فهي عبارة عن البغن (إناء كبير سعته 5 ليترات) وإبريقين ومصبين. تراوح كلفة المنقل ما بين 1500 و2000 دولار. لكن بإمكان متواضعي الحال اقتناء منقل من الألومنيوم بكلفة أقل. إلى جانب المنقل هناك المهباج، وهو آلة تدق فيها القهوة بدل أن تطحن. وعادة ما يستقبل الضيف على وقع دقات معينة تعبّر عن حفاوة الاستقبال. ويصنع المهباج عادة من خشب الجوز أو البطن أو التوت.