ليست أزمة تلوث الخضار الأوروبية بجرثومة الـ«إيكولاي» إلا دليلاً إضافياً على هشاشة النظام الغذائي المعولم الذي يسيطر على حياة البشر. لهذا النظام ثلاث ركائز أساسية: الإنتاج الزراعي المكثف، النقل السريع عبر مسافات طويلة، والاستهلاك الزائد. وقد سبق أزمة الـ«إيكولاي» تفشي وباء أنفلونزا الطيور ثم الخنازير التي أدت إلى خسائر بشرية ومادية جسيمة خلال السنوات الماضية. بعض الإيكولوجيين يعدّون ظاهرة الأمراض الجديدة والفتاكة التي تنتقل عبر المنظومة الغذائية بمثابة رد فعل يقوم به كوكبنا على الانتهاكات التي يقترفها البشر بحقه في سعيهم الدائم إلى المزيد من الربح المادي. فالكوكب، بالنسبة إلى هؤلاء الإيكولوجيين، ينتفض على المعتدين ويرسل إشارات واضحة عن عدم ملاءمة المقاربات الإنتاجية المكثفة لتوازن الأحياء على الأرض. قد يكون في هذه الصورة المجازية بعض الرومانسية، إلا أنها تعطي فكرة جيدة عن الأزمة التي تعانيها البشرية بكاملها. فالمنظومات الزراعية والغذائية المعولمة والمكثفة السائدة التي تنهك الأرض وتجفف الآبار وتلوث المياه وتستغل البشر هي جزء لا يتجزأ من النظام الاقتصادي السائد والمبني على إلغاء الدولة واستبدالها بالقطاع الخاص وبالأسواق التي تسيطر عليها حفنة من الشركات العابرة للجنسيات. هكذا، تثور الأرض على من يستغلها بلا رحمة تماماً كما تثور الجماهير على النظام الذي يولد الفقر والبأس والحرمان. هكذا ولدت الثورات العربية في تونس ومصر رداً على أتون النظام الاقتصادي المجحف، بشقيه الزراعي والغذائي. هذه الثورات لن تكتمل إلا حين تتوصل إلى إسقاط ذلك النظام الذي فرضته إمبراطورية نخبة فاسدة تتحكم بالشعوب واستبداله بنظام يحترم البيئة والإنسان.