«نِصفُ الناس أعداء من ولّي العدل، هذا إن عدل». يعلّق أحد قدامى القضاة بهذا القول المأثور، على تولّي نقيب المحامين الأسبق شكيب قرطباوي وزارة العدل في الحكومة الجديدة. العدل ـــــ أساس الملك كما يعرّفه أهل القانون ـــــ هو حمل ثقيل في لبنان، ألقي على كاهل قرطباوي، «ابن الكار» كما يصف نفسه، والعارف بما للمرفق القضائي وما عليه، الذي أكّد لـ«الأخبار» وجوب حصول تغيير، مع التشديد على أن «لا حلول سحرية بيد أحد». ما الذي ينتظر الوزير الجديد؟ وماذا سيكون موقفه من القضايا الكبرى التي شغلت لبنان خلال السنوات الماضية، مثل المحكمة الدوليّة وملف شهود الزور، وموضوع استقلالية القضاء وإبعاد كأس السياسة عنه، وموضوع السجون «المهترئة» التي ستنتقل إلى عهدة وزارته نهاية العام المقبل، وما يستتبع ذلك من قضايا حقوقية وإنسانية، وغير ذلك من القضايا التي تمس الحياة اليومية لكل مواطن؟
يرفض «نقيب الحريات»، كما يصفه بعض من رافقوه نقيباً للمحامين، الخوض في التفاصيل، أقله الآن، لكنه يشدد على أن «القضاء ليس جزيرة معزولة في لبنان»، مقراً بأن «ثمة مشكلة في القضاء لا ينفع معها الإنكار، وللأسف فقد تفشت الطائفية في جسمه في الآونة الأخيرة. وفيما فقد المواطن الثقة بهذه السلطة المخوّلة إحقاق الحق، فإن هذه السلطة بدورها تفتقد الثقة بنفسها. هذه الثقة يجب أن نعمل على إعادة تثبيتها، فعلاً لا قولاً».
ماذا ينتظر العاملون في الجسم القضائي من الوزير الجديد؟
«الأخبار» استطلعت آراء عدد من القضاة والمحامين والمتابعين لاستجلاء آرائهم. في المحصّلة، بدا أن ثمّة إجماعاً على أن يكون مشروع التشكيلات القضائية المقبل عادلاً، وأن «يرفع أي ظلامة أو كيدية شهدتها المرحلة السابقة». وأجمع المستطلعون على ضرورة المضي في تنفيذ ما وعد به الوزير السابق إبراهيم نجّار في موضوع تحسين أحوال القضاء مادياً ولوجستياً، بغية «تحصين القضاة من أي ابتزاز سياسي»، إضافة إلى جعل قصور العدل أماكن لائقة بالقضاء، «بحيث لا يبقى سقف مكتب ينشّ منه الماء على رأس قاضٍ». ويأمل «أهل العدلية» أن تنتهي، في العهد الجديد، الحظوة التي كانت لبعض القضاة على حساب غيرهم، فكان هؤلاء يُمنحون «السفر السياحي» إلى الخارج بمهمات غير مبررة، ويأملون كذلك ألا يجعل من العاملين في مكتبه أصحاب حل وربط في المراجعات. وهم يطمحون إلى أن يدافع الوزير الجديد عن القضاة عندما يهاجمهم السياسيون، وألا يتركهم وحدهم، وخصوصاً «عندما يكون الهجوم بسبب أحكام قضائية لا تتوافق مع أهواء البعض».
إلى ذلك، ثمة «مشكلة» يمكن أن تواجه قرطباوي في وزارته، تُشبه إلى حد بعيد ما واجهه وزير الداخلية السابق زياد بارود مع المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي. فبحسب أحد القضاة العارفين، سيُمثل النائب العام التمييزي سعيد ميرزا، المحسوب على تيار المستقبل، «العقبة الكأداء لقرطباوي، لأنه ـــــ كما يعلم الجميع ـــــ الحاكم بأمر العدلية، وخصوصاً أنه يشغل الآن منصب رئيس مجلس القضاء الأعلى بعد إحالة القاضي غالب غانم على التقاعد. لكن هذا لا يعني أن المشكلة ستقع حتماً؛ إذ يبقى الأمر رهن الأسماء التي ستقترح لأعضاء مجلس القضاء الأعلى لاحقاً، فهي التي سترسم ملامح المرحلة المقبلة في القضاء».
من نقابة المحامين إلى وزارة العدل، مسيرة 44 عاماً من العمل القانوني في رصيد شكيب قرطباوي الذي يدخل إلى الوزارة، متيقناً أن القضاء في لبنان ليس بخير. يعدُ بـ«التغيير»، لكنه سيجد في انتظاره كثيراً من العقبات، سياسياً وعدلياً... وحدها الأيام المقبلة ستكشف ما إذا كان «نقيب الحريّات» يحمل للعدالة جديداً.