أخيراً، ظهر أن بعض القضاة لا «يعشقون» توقيف المواطنين كيفما اتفق. ففي عدلية بعبدا، بعد مضي 4 أيام على توقيف رجل وامرأة للاشتباه فيهما بتهمة «سمسرة»، قرر قاضي التحقيق رامي عبد الله إطلاق سراحهما وفقاً لنص المادة 111 من قانون أصول المحاكمات الجزائية. المسألة لا تتوقف عند قاض، أو عند مشتبه فيهما، بل عند مادة قانونية «تكاد تكون غائبة أو مغيّبة عن أذهان بعض القضاة»، على حدّ تعبير أحد المحامين. فتلك المادة التي تتوافق كثيراً مع مبادئ حقوق الإنسان و«أنسنة» القضاء، تنص على الآتي: «لقاضي التحقيق، مهما كان نوع الجرم، وبعد استطلاع رأي النيابة العامة، أن يستعيض عن توقيف المدّعى عليه بوضعه تحت المراقبة القضائية، وبإلزامه بموجب أو أكثر من الموجبات التي يعتبرها ضرورية لإنفاذ المراقبة». هكذا، طلب قاضي التحقيق المراقبة القضائية للرجل وإلزامه دفع كفالة مالية، إضافة إلى منعه من الحضور في قصر العدل ومحيطه. أما المرأة التي تعاني أوضاعاً صحية ومادية صعبة، فقد أمر بإلزامها عدم الدخول إلى قصر العدل لمدّة 3 أشهر. أحد المحامين الذي تابع مجريات القضية، رأى في قرار القاضي «زاوية إنسانية، بحيث جمع بين التشدد والرأفة، لكون المشتبه فيهما لم يقوما بجرم كبير». من ناحية ثانية، لفت المحامي المتابع لشؤون العدليات إلى ضرورة «أن يلاحق القضاء كبار السماسرة، بدل أن يظهر بطولات وهمية من خلال توقيف الصغار منهم، علماً بأن بعض هؤلاء هم إما من مرافقي بعض القضاة وإما من المقرّبين منهم. أكثر من ذلك، السمسرة موجودة بكثرة لدى أشخاص الضابطة العدلية، وتحديداً لدى التحرّي، فهؤلاء من تجب متابعتهم والتشدد معهم أكثر من غيرهم، لأنهم واجهة الدولة».وبالعودة إلى المادة 111 من القانون المذكور، وما تحمله في طياتها من تشريع إنساني، فإنها تعطي لقاضي التحقيق عدّة موجبات لإنفاذ مراقبة المشتبه فيه بدل توقيفه خلف القضبان، منها: التزام الإقامة في مدينة أو بلدة أو قرية ومنع مبارحتها مع اتخاذ محل إقامة فيها، عدم التردد إلى محال أو أماكن معينة، إيداع جواز سفر لدى قلم دائرة التحقيق وإعلام المديرية العامة للأمن العام بذلك، التعهد بعدم تجاوز دائرة المراقبة وإثبات الوجود دورياً لدى مراكز المراقبة، عدم ممارسة بعض المهن التي يحظرها قاضي التحقيق على المدّعى عليه طيلة مدّة المراقبة، الخضوع للفحوص الطبية والمخبرية دورياً من خلال مدّة يعينها قاضي التحقيق، وتقديم كفالة ضامنة يعيّن مقدارها قاضي التحقيق.