تفيد لوائح كشف التلاميذ في مدرسة نمرين الرسمية أن عدد طلابها أوائل سبعينيات القرن الماضي لم يتجاوز الـ 130 تلميذاً، لكن المفارقة هي أنه بعد مرور نحو أربعة عقود فإن عدد تلاميذ المدرسة لم يتغير تقريباً!بقاء معدّل عدد تلاميذ المدرسة الرسمية الوحيدة في البلدة الواقعة في أعالي جرد الضنية على حاله، يعود إلى نزوح معظم أهاليها باتجاه الساحل، ما يجعلها واحدة من البلدات القليلة في الضنية التي يعيش معظم سكانها خارجها صيفاً وشتاءً معاً.
يردّ رئيس بلدية نمرين مصطفى عربس سبب إقامة نحو 65 % من أهالي البلدة خارجها إلى «عدة عوامل، منها عدم وجود فرص عمل، تراجع القطاع الزراعي، قساوة الطقس وبرودته شتاءً، الوضع الرديء للطرقات، إلى جانب حرص الأهالي على تلقي أبنائهم تعليماً أفضل، وهو ما لا يتوافر في البلدة».
يقيم معظم أهالي نمرين في أحياء، قسم لا يستهان منها عبارة عن عشوائيات، تقع عند الطرف الشرقي من مدينة طرابلس، الممتدة من ضواحيها في محلة القبة مروراً بمحلة العيرونية وصولاً إلى أطراف بلدتي الفوار ومجدليا في قضاء زغرتا، حيث عمدوا إلى ترتيب أساليب حياتهم الجديدة بما يتناسب مع مصالحهم وأنماط عيشهم التي ابتكروها.
ضمن هذه الأحياء أوجد أهالي نمرين قاعة كبيرة للمناسبات الاجتماعية، تتوسط بيوتهم الجديدة ومحالهم التجارية، على نحو يؤشر إلى أن قسماً كبيراً منهم «بدأ يستغني عن البلدة ولم يعد يرتبط بها إلا بالاسم». ويشير عربس الى أن «من يعودون إلى البلدة صيفاً للاهتمام بأراضيهم الزراعية، لا تتجاوز نسبتهم الـ25 % من عدد سكان البلدة».
هذا «التقسيم» السكاني لأهالي البلدة بين الجرد والساحل، دفع فعالياتها ووجهاء العائلات فيها قبل الانتخابات البلدية والاختيارية إلى اعتماد مبدأ وجود مختار في الجرد وآخر في الساحل، لتسهيل شؤون المواطنين في المكانين، كما دفع بعض أهالي البلدة إلى بيع بعض أراضيهم إلى أفراد من عرب العشائر في المنطقة، تحديداً في منطقة المنشرة الواقعة في أقاصي البلدة لجهة نبع السكر وجرد مربين، حيث باتت لهؤلاء منازل وأراض زراعية استصلحوها بعدما كانت مراعي لقطعان ماشيتهم.
وبهدف الحد من هذا النزوح السكاني، جهدت البلدية في السنوات الأخيرة، حسب عربس، إلى «الاهتمام بالطرقات وتأهيلها، وشق طرقات جديدة، والضغط على مصلحة مياه الضنية من أجل إصلاح وتأهيل قنوات الريّ الرئيسية والفرعية في البلدة». يشكو عربس من أن «قنوات الريّ عندنا سيئة جداً، ما جعل قسماً كبيراً من أهالي البلدة يمتنعون عن الاهتمام بأراضيهم الزراعية لهذا السبب».
أما الطرقات، فهي المشكلة الرئيسية التي تعوق أي تطور في البلدة، إذ إنّ الطريق الرئيسي المؤدي إلى مدخل البلدة ووسطها ضيق ومتعرج، والإمكانات المادية الضعيفة للبلدية لا تسمح لها بتوسعتها، فكان الحل وفق عربس «بتقديم أكثر من طلب مشروع إلى الجهات المعنية لهذا الغرض، وما زلنا ننتظر التنفيذ وتلبية الوعود».
إلا أن نمرين تعوّل، حسب تعبير عربس، على «تنفيذ مشروعين حيويين للطرقات، من شأنهما إحداث نقلة نوعية فيها، وإحياء أراض زراعية واسعة، الأول تعبيد طريق شقته البلدية أخيراً بالتعاون مع اتحاد بلديات الضنية ومساهمة المتعهد أحمد شحادة فتفت، ويربط بين بلدتنا وبلدة عين التينة المجاورة، والثاني تنفيذ مشروع جسر يربط بين نمرين وبلدة بقرصونا في الجانب الآخر من الضنية (يبلغ ارتفاعه 270 متراً ما يجعله الأعلى في لبنان)، كان منتظراً تنفيذه ضمن مشروع طريق سير ـــــ الهرمل الذي انتهى منذ سنوات، لكنه لم يُنفّذ».