لا يكفّ المتحدثون باسم المحكمة الدولية عن الادّعاء بأنها غير مسيّسة، بينما يدلّ أداء المدعي العام فيها على عكس ذلك، وخصوصاً في ما يتعلّق بدفاعه عن الاعتقال السياسييبحث المدعي العام في المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري عن سبل لمنع أشخاص، اعتقلوا لأسباب سياسية لنحو أربع سنوات (2005 ــ 2009)، من حقّهم في محاسبة المسؤولين عن تلك الجريمة قضائياً. فبعد ردّ طلب دانيال بلمار من قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين بعدم عقد جلسات علنية، للنظر في طلبات اللواء الركن جميل السيد الاطلاع على مستندات بحوزة بلمار تدين المشتبه فيهم بفرض الاعتقال التعسفي، وبعد ردّ دائرة الاستئناف طعن بلمار بقرار القاضي فرانسين اعتبار القضية من اختصاص المحكمة، «أصيب المدعي العام وأركان مكتبه بالإحباط» بحسب أحد زملائهم في مكتب الدفاع في لاهاي، «لكن ذلك لن يؤدي، على ما يبدو، الى تراجعه عن موقفه بشأن حماية السلطات التي أمرت باحتجاز الضبّاط الأربعة». وعلى الرغم من ذلك، يستغرب بلمار في مجالسه الخاصة تعرّضه لاتهامات بالتسييس ويكرّر أن «وحدها الأدلة الجنائية هي التي توجّهني». وكان حقّ السيد في الاطلاع على المستندات المتعلقة باعتقاله تعسفاً قد تكرّس في نصّي حكم القاضي فرانسين في 17 أيلول 2010 وحكم دائرة الاستئناف في 10 تشرين الثاني 2010، لكن بلمار سعى الى التهرّب من تنفيذ أوامر القاضي بإطلاقه حججاً متنوعة، صدرت أمس عن السيد مذكرة الى دائرة الاستئناف للردّ عليها.
من بين المستندات التي طلبها السيد من المحكمة الدولية مراسلات لجنة التحقيق الدولية مع القضاء اللبناني بشأن الاستمرار في احتجاز الضباط الأربعة، لكن بلمار رفض تسليم هذه المراسلات بحجة أن تسليمها قد يؤثر سلباً على التعاون بين السلطات اللبنانية والمحكمة الدولية. ورأى السيد أن هذه الحجة «غير منطقية»، إذ إن علاقة الثقة بين المدعي العام الدولي والمدعي العام اللبناني لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تكون مرتبطة بمخالفة القانون، «بل يفترض أن ترتكز العلاقة على إرادة مشتركة بعدم سماحهما لأي مخالفة هما على علم بها من الإفلات من الملاحقة القضائية».
والمماطلة في تسليم المستندات المتعلّقة باعتقال السيد سببها، بحسب بلمار، ضخامة الملفّ (يتضمّن 21 ألف مستند تتألف من 370 ألف صفحة) الذي يفترض التدقيق في مضمونه لجهة عدم وجود معلومات قد تؤثر سلباً على تقدّم التحقيق أو تعرّض أشخاصاً أو دولاً للخطر. لكن هذه الحجة غير صحيحة، إذ إن بلمار كان قد راجع ملف اعتقال السيد عام 2009 لدى تقديمه مذكرة الى القاضي بعدم ممانعته بفكّ احتجاز الضباط الأربعة. لكن المستغرب أن المستندات التي سلّمها بلمار أخيراً، والتي لا يزيد عددها على 297 مستنداً، لا تتضمّن المراسلات التي بعث بها السيد الى الأمم المتحدة والقضاء اللبناني. أما المستندات الأخرى التي طلبها السيد، فلا يزال المدعي العام يرفض إطلاعه و/أو وكيله القانوني عليها، كما لا يزال يتمسّك بادعائه بأن السيد لا يتمتّع بالصفة القانونية للجوء الى المحكمة. لكن هذا الادعاء لا يتناسب مع المعايير القضائية، إذ إن احتجاز السيد استمرّ حتى نيسان 2009 أي بعد انطلاق عمل المحكمة في 1 آذار 2009 وانتقال الاختصاص من القضاء اللبناني إليها. وقد شدّد السيد في مذكرته الى دائرة الاستئناف على أن عدم ملاحقة المسؤولين عن الاعتقال التعسّفي لا يمسّه شخصياً، ويؤدي الى حرمانه من اللجوء الى القضاء لتحصيل حقوقه وحسب، بل يكرّس كذلك إفلات مجرمين من العقاب. وبعد عرضه تناقضات في مقاربة بلمار لهذه القضية، استغرب السيد بعض الإشارات التي وردت أخيراً من لاهاي لتدلّ على أن «القاضي فرانسين يتماشى مع موقف بلمار»، وأكد إصراره على تحصيل حقوقه الأساسية بحسب «أعلى المعايير الدولية في مجال العدالة الجنائية» كما ورد حرفياً في نصّ القرار 1757 (2007).
(الأخبار)