تتعدد النظريات في موضوع الأمن الغذائي، وإن كان يمكن تقسيمها إلى فئتين شبه متناقضتين. فأتباع النظرية الأولى، وهي الأكثر شيوعاً، يرون أنّ الغذاء سلعة استهلاكية لا تختلف عن سائر السلع المعروضة في الأسواق، وإن كانت الأولوية في الحصول عليه تعود إلى من لديهم القدرة الشرائية الأكبر في أسواق مفتوحة. ويحبذ أتباع هذه المقاربة الإنتاج الزراعي المكثف في مزارع صناعية واستيراد الأغذية الأساسية من الأسواق العالمية والتركيز على الميزة التفاضلية لتشجيع نمط من الإنتاج الزراعي التصديري. أما أتباع النظرية الثانية، الذين يعدّون الغذاء حقاً إنسانياً وليس سلعة، فيلفتون النظر إلى أنّ الأسواق تعمل تاريخياً لمصلحة الأغنياء، ما يؤدي إلى عالم كالذي نعيش فيه، حيث يتفشى الجوع والتخمة جنباً إلى جنب نتيجة الفوارق الاجتماعية السائدة بين الفقراء والأثرياء. كذلك يشير هؤلاء إلى الدمار البيئي الناتج من النمط الزراعي المكثف والكوارث الاجتماعية التي رافقت زوال القطاع الفلاحي. كذلك هناك مشكلة أساسية تنتج من الاعتماد على الأسواق الذي يجعل من الوطن والمواطنين رهائن لهذه الأسواق التي تسيطر عليها دول عظمى، ما يلغي مبدأ السيادة. لهذا السبب، يطلق على هذه النظرية اسم «السيادة الغذائية». وقد ولدت هذه الفكرة من رحم الجمعيات الفلاحية الراديكالية في أميركا اللاتينية وانتشرت في العالم.
ها هي بوليفيا تبنت هذه المقاربة وجعلت منها المبدأ الأساسي لسياستها الزراعية. أما في الوطن العربي، فلا سيادة على شيء، بدءاً من النفط المستخرج محلياً، إلى الغذاء المستورد بنسبة 80% من الاستهلاك المحلي. وإذا كانت مصر وتونس تستعدان للانتقال من حكم الطاغية إلى مرحلة جديدة، ألا يجدر أن تكون السيادة الغذائية أحد عناوينها؟